لاس فيغاس: هول الصدمة لا يزال مخيماً على الأمريكيين

لا يزال الأمريكيون يحاولون فهم دوافع ستيفن بادوك في قتل نحو ستين شخصا بالرصاص عن سبق استعداد في لاس فيغاس في ولاية نيفادا كان يحضر حفلا موسيقيا في الهواء الطلق في 1 أكتوبر 2017 إلى جانب 527 جريحا.

لكن يتساءل كثير من الشعب الأمريكي وغيره من المراقبين كيف أن ستيفن كان يملك ترسانة من الأسلحة النارية؟، وعثرت الشرطة في غرفة الفندق على 23 قطعة سلاح من عيارات مختلفة بينها بنادق هجومية، بل بعض البنادق كان يحمل جهاز تصويب، وكان يخبئ في سيارته مادة نترات الألمونيوم وهو سماد يمكن استخدامه لصنع متفجرات.

بالإضافة إلى عثور الشرطة على ترسانة أسلحة كاملة في منزله على بعد 120 كيلو متر من المدينة تضم 19 قطعة سلاح إضافية وآلاف الذخائر والمتفجرات، هل لأنه محاسب ثري انتفت عنه الشبهة، كما يتساءل البعض كيف انتحر قبل أن تقتحم الشرطة غرفته في فندق ماندالاي باي؟، وكيف أنه تمكن من التمركز في طابق مرتفع ال 32 مطل على الحفل الموسيقي الكانتري كان يحضره أكثر من 22 ألف شخص، أين الأمن لحماية الحفل الموسيقي؟ خصوصا وأن الزمن زمن الإرهاب الذي يتصيد ويستهدف مثل تلك الحفلات؟

أيضا يتساءل كثير من المراقبين لماذا رفضت السلطات الأمريكية تبني داعش للهجوم، ورفض مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) فرضية الاعتداء الجهادي كما ادعى داعش بأن أسمه عبد البر الأميركي اعتنق الإسلام قبل عدة أشهر.

تتخطى الحصيلة عدد ضحايا إطلاق النار في ملهى ليلي لمثلي الجنس في يونيو 2016 في أورلاندو حين قتل 49 شخصا برصاص رجل بايع داعش، ورفض ترامب إطلاق الإرهاب على ستيفن وكأنه جعله منحصرا بالجهاديين الإسلاميين فقط، بل جعله ينتمي إلى الشر والعنف، فهل ترامب يعرف شيئا ما، ويحاول أن يضلل الشعب الأمريكي؟ وهل أنه يعرف أن جهة ما هي من ارتكبت هذه الجريمة الشنعاء ضد الشعب الأمريكي، ولا يمكن أن يكون ستيفن بمفرده، خصوصا وأنه يمتلك ذخيرة كبيرة من الأسلحة لا يمكن نقلها بمفرده؟.

أما شقيق المسلح فقد أصيب بالذهول مما حدث مؤكدا أن شقيقه كان ثريا وليس له أي انتماء ديني أو سياسي وليس من هواة الأسلحة على الإطلاق، مما يفسر أن ما حدث قد يكون له تداعيات بعيدة المدى خصوصا وأن شقيقه انتحر كما تدعي الشرطة وقد يكون قتل إذا كانت هناك جهة ما وراء هذا الحادث الإرهابي.

على الفور طالب الديمقراطيون الكونغرس بالتحرك لفرض ضوابط على حيازة الأسلحة النارية غير أن البيت الأبيض رد أن الجدل حول الأسلحة النارية سابق لأوانه في هذه المرحلة الأولية من التحقيق.

الذئاب المنفردة ظاهرة غربية وليس عربية أو إسلامية بل ظهرت وبرزت في أمريكا قبل أن تستلهمها داعش وهي جزء أوسع من خريطة تسمى بالخلايا النائمة التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة، رغم أن مثل هذا الجدل لا يستقيم، باعتبار أن الإرهاب لا يمكن أن ينقسم أو يتجزأ ولا يمكن أن نطلق عليه سوى أنه إرهاب، لكن المهم لا يجب إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين لأن الإرهاب لا دين له ولا جنسية.

وقد شاع استخدام مصطلح الذئاب المنفردة منذ عام 1990 حين دعا الأمريكيان الكس كيرتس وتوم الخلايا الفردية والنائمة إلى العمل بسرية تامة بدلا من العمل كمنظمات يمكن متابعتها ومطاردتها لأن مميزات الذئاب المنفردة تعمل من دون هرم تنظيمي عندما بدأت تلك الذئاب المنفردة بهجمات عنصرية والقبض على غير البيض والترويج للاغتيال.

فالذئاب المنفردة ليست ظاهرة إسلامية بل هي ذات جذور غربية وبشكل خاص أميركية تبنتها داعش والقاعدة بل إنها تحمل جذور أنجلوساسكونيين بروتستانت ففي عام 1992 أطلق الشرطي آل نمور النار على ثلاثة رجال كاثوليك قرب المكتب الرئيسي لحزب (نحن أنفسنا) في بلفاست وهو حزب سياسي جمهوري يدعو إلى توحيد آيرلندا.

كذلك قام الطبيب اليهودي باروخ غولشتاين في 25 فبراير 1994 بفتح رشاشه داخل الحرم الإبراهيمي في الخليل وأوقع 29 شخصا وأصاب 150 آخرين، ومن أسوأ الحوادث التي قامت بها الذئاب المنفردة تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما الأميركية في 19 أبريل عام 1995 حين أقدم شاب أميركي تيموثي ماكفاي على قيادة شاحنة محملة بالمتفجرات للانتقام من الحكومة الأميركية نتج عن الحادث الإرهابي وفاة 168 شخصا وإصابة نحو 680 آخرين، ما يعني أن داعش استلهمت استخدام الشاحنات من هذه الحادثة.

وفي عام 2011 قام اندرس بهرنغ بريفيك بقتل 85 شابا في جزيرة أوتايا في النرويج رغم أنه يعرف نفسه بأنه مسيحي علماني سيطر عليه التعصب الديني وخيالات الحروب الصليبية الذي استلهم القيام بمثلها.

أصبحت استراتيجيات الإرهاب منظمة ومعولمة، ولا يمكن التفريق بين إرهابي مسلم وغير مسلم، لأن أهدافهم جميعها واحدة، وهي القتل الناتج عن التطرف، وجميعهم يفضلون الخلايا الفردية، أو ما تسمى بالذئاب المنفردة، خصوصا وأن إشكالية المسافة واتساعها لم تعد قضية كبرى في طريق التواصل، فقد قربت وسائط الاتصال الاجتماعي لا سيما الهواتف الفضائية المتصلة بالأقمار الصناعية، ما يمكن لهذه الخلايا الهروب من الرقابة الصارمة من قبل الحكومات والمؤسسات الاستخباراتية، خصوصا وأن داعش يمتلك على شبكة الأنترنت ما يزيد على 90 ألف صفحة موزعة بين فيسبوك وتويتر باللغة العربية، فلماذا ترك داعش يمتلك هذه الصفحات الواسعة بالإضافة إلى أنه يمتلك 40 ألف صفحة بلغات أخرى، وهي التي أعطت التنظيم القدرة على شن هجماته في الغرب دون أن تتمكن الأجهزة الغربية من تتبع حركاته، فليس المطلوب فقط وقف التمويل أو قطعه، بل كذلك وقف الصفحات التي يمتلكها إذا أرادات أجهزة الاستخبارات الغربية وقف الهجمات، إلا إذا كان لديها أهداف أخرى للتعرف على أجندات التنظيم، وليس من المهم أن يرتكب التنظيم مزيد من العمليات الإرهابية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق