كلمة السيد السعد بن عبد الله بن بيه إلى مؤتمر “المقاومة الأحوازية وعاصفة الحزم”

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها السيدات والسادة:

جئناكم من أقصى الأرض العربية، حيث منازل الأشراف في الأطراف، من موريتانيا العربية الإفريقية الإسلامية، لنردد معكم أناشيد أشواق الحرية والانعتاق لا لكي نتمنى لكم النجاح فقط،بل لنعمل معكم عليه، إنه لمن حسن الطالع والفأل الحسن للقضية العربية الأحوازية أن أشارك إلى جانبكم اليوم في هذا النشاط الهام، وبلادي تحتفل اليوم بذكرى عيد استقلالها 55 تاريخ انتصارها على الاستعمار والهيمنة والاستقلال من نير المحتل، إن الملاحظة الأولى أن الشعب الأحوازي اليوم أقوى من شعبي في تلك الأيام، وفرنسا القوة الاستعمارية في حينه أقوى من قوة الاحتلال الإيراني اليوم، وبالتالي فالنصر وعد لكل مكافح لديه الحق والصبر كما ينبغي.

إنه لمن دواعي الفخار والعزة أن نرفع تحياتنا – بهذه المناسبة – للشعب العربي الأحوازي المناضل لأجل حقوقه في الحرية والاستقلال والكرامة ،تحية لأرواح الشهداء الأحياء للمقاومة الوطنية الأحوازية.

 

أيها السادة والسيدات:

نحضر اليوم مؤتمركم السياسي الثالث الموسوم: بالمقاومة الوطنية الأحوازية وعاصفة الحزم، في ظل تحولات جسيمة ونوعية وسيكون لها حتما ما بعدها تعصف بواقعنا العربي، فيا له من ربط موفق بين هذه القضية “الأحوازية” وبين هذا التطور “عاصفة الحزم”. إن هذه العاصفة الموفقة جاءت بعد هدوء طويل تنازلنا فيه لسوء التدبير عن العراق العظيم وعن سورية اليوم وقبل ذلك كله فلسطين وكدنا نسلم البحرين واليمن ..إلخ.

لا يستطيع مكابر اليوم أن ينكر أن هذه الحرب بدأت لرد عدوان، فجاءت ردة فعل على تخطيط خارجي واضح وجلي لمن يعقلون، يحاول خنق العرب وتفتيتهم وتهديد ما تبقى من أمنهم وسلمهم القومي، فكانت حرب ضرورة وحرب اضطرار وحرب دفاع؛ “فما غزي قوم في دارهم إلا ذلوا”.

لكنها حرب موفقة أيضاً، حيث وفقت في إعادة الأمل لحماية ما تبقى من  فكرة الأمة العربية الواحدة، وقد أنتجت أملاً جديدا لقضايانا القومية العالقة ومن بينها وعلى رأسها “القضية الأحوازية”.

أيها السادة والسيدات:

إن حضورنا ومواقفنا معكم بالدعم والاسناد أيها السادة العرب الأحواز، تبنى على أسس صلبة وعميقة لأنها مبدئية، ضد الظلم وضد الهيمنة. وقومية، حيث وشائج الأخوة والدم، وشرعية وديمقراطية وإنسانية، حيث حقكم الديني والأخلاقي والشرعي في العيش في كنف الحرية والكرامة. ومصلحية؛ حيث إذ من صالح العرب دعم هذه القضية واستثمارها في مواجهة جار عدو – للأسف الشديد-.

أيها السادة والسيدات:

ما هو الفرق اليوم بين الجهود التي تبذلها الدولة الفارسية في محو الهوية العربية الأحوازية وبين ما فعله القوط الإسبان ما بين (1492 – 1500) الفترة اللاحقة لسقوط غرناطة، من محو ممنهج للذاكرة العربية والإسلامية، فهل التاريخ يعيد نفسه في أماكن أخرى؟ وهل العقل الاستراتيجي الفارسي يستلهم من تاريخ الظلام؟ وليس ببعيد من هذا ما يقوم به الكيان الصهيوني في نفس الاتجاه ولذات الأهداف مع ثقافة وهوية الشخصية الفلسطينية!

أيها السادة والسيدات:

من المستغرب أن تُعمي المصالح الآنية والضيقة قوى كبرى ودولا عظمى ذات ميراث في الحقوق والديمقراطية وذات مسؤولية مباشرة في حفظ السلم والأمن الدوليين، فتغفل الأوضاع القائمة في أرض الواقع، وتخل بالمبادئ الكبرى خدمة لسياسات ضيقة.

إن الدرس الحقوقي والتاريخي واضح، وهو يجرِّم أخلاقياً على الأقل إغفال مبادئ حقوق الانسان في الحياة والحرية وفي عيش حقوقه وهويته واستقلاله في تقرير مصيره، وما تفعله القوة الكبرى في علاقتها المتصالحة مع النظام الفارسي على حساب العرب، لن يكون أكثر من صب الزيت على النار، وإذكاء لنزاعات تمس ظلالها الحارقة القرية الكونية بأجمعها في صراعات غير مطوقة. بينما المصالح الحقيقية لا تضمن إلا بصيانة الحقوق وبناء السلم المستديم.

أيها والسيدات:

وكما يقول المثل الغربي “لا يمكن للأشجار ان تنبت معلقة في الهواء”، لذا وجب علينا الابتعاد عن العاطفية – على أهميتها – وامتلاك وعي استراتيجي تترجمه رؤية واضحة للحاضر والمستقبل، مفرداتها: الواقعية والتخطيط والعقلانية والتقييم. فقد ثبت مع الوقت أن الانفعالات والكلمات الساحرة لا تصنع حاضرا ولا تضمن مستقبلا، كما أن الانتظار والرهان على الآخر ليقوم بمواجهة مخاوفنا والتحديات التي تواجهنا بدلا عنا هو مضيعة للوقت.

إن التناقض أو الصراع بين القوى العالمية وإيران لن يستديم بشكل يخدم ويعظِّم مصالحنا كعرب، بل قد يكون على حسابنا، فقد ظلت إيران عدوا صديقا وعدوا شريكا مع الغرب، وهو ما برز في ملفات وقضايا كثيرة على رأسها الاحتلالين الأمريكي للعراق وأفغانستان، وليس ببعيد ما نراه اليوم من تشابك المصالح والأجندات بين إيران وهذه القوى في منطقتنا، والذي تحوله إيران بكل صفاقة إلى رصيد حساب مصالحها مع الآخر وعلى حساب منطقتنا العربية.

آن لنا وبعد تجربة مريرة في علاقتنا مع الأصدقاء والحلفاء أن نتقن تحدث لغة المصالح، فهي العملة الوحيدة القابلة للصرف في سوق السياسة الدولية اليوم، والتي لا بد أن تحمى باحتياط من القوة والفهم الاستراتيجيين، وليس بقيم السلم و الحق والعدل فقط -للأسف الشديد – فلا تزال القوة هي القانون الأسمى!

أيها السادة والسيدات:

إن مشكلتنا مع التغول الإيراني في المنطقة العربية، ومشكلتنا العويصة معه تنطلق من ارتكازه على فلسفة عدمية خطيرة وعقيدة مشوهة بالمعنى الايديولوجي والديني القائمة تجاه العرب، إن فكرة “المظلومية” تاريخيا والتي تستدعي –كما تشي بذلك أدبيات التشيع الفارسي المختلفة – تقوم على بناء القدرة للانتقام والثأر؛ وهو ما يتطلب التعجيل “بالمنتظر” في زعمهم لاستكمال التمكين وإراقة دم الخصوم، ومشكلة هذه الميثولوجيا الدينية أنها لا تُسجَّل ضد مجهول، بل ضد السواد الأعظم من المسلمين والعرب على الخصوص، وهو ما جعل ويجعل الدولة الفارسية اليوم تنتهج سلوكا رساليا وتدميريا،لكسب معركة نفوذ ومصالح مرتكزة على توظيف خاطئ للدين.

أيها السادة والسيدات:

الإشكال الكبير يكمن في غياب الحد الأدنى من الاستراتيجية العربية المشتركة لتطويق هذه المخاطر، وهو قصور ساهم في تعظيم فرص ومكاسب إيران استخدام الفراغ العربي، غير أن لأي مراقب موضوعي أن يسجل بشيء من الاعتراف والحبور السلوك الدبلوماسي الذي تنتهجه العربية السعودية اليوم ببذل جهد موفق في توسيع دائرة التشاور العربي من خلال الاتصال المكثف بالقادة والزعماء والقوى الحية في الأمة العربية، وهو مجهود نعول عليه لرأب الصدع والتأثير في السلوك التقليدي العربي المكتفي بالتدابير ذات الطبيعية الكلامية.

إن عاصفة الحزم لم تكن –كما يصور لها الإعلام الفارسي وأدواته المحلقة به- عدواناً أو جوراً على أشقائنا في اليمن، فاليمن هو جزء أصيل من كينونتنا كعرب، ولا يمكن لنا بأي حال أن ندفع نحو تدميره، وبالتالي تدمير ذواتنا، بل ما يحصل فعلياً هو رد الدمار الذي تدفع به السلطة الفارسية وأدواتها، واستعادة ما هو لنا على المدى القصير، واستعادة حقنا في الكينونة بشكل أعم.

لكن يتحتم علينا، أن ننظر إلى هذه العملية العسكرية –وأقصد عاصفة الحزم- بشكل استراتيجي أوسع، بحيث تكون محوراً لمأسسة جهد عسكري عربي لاستعادة كل أرض مغتصبة. ليس بمنطق العدوان كما تنتهج السلطة الفارسية إزاء منطقتنا، بل بمنهج حماية الذات والمصالح بالقوة العادلة، التي تقرها الشرائع الدينية والقوانين الدولية كافة. ولعل المنظومة الخليجية وعلى رأسها السعودية، هي الأكثر قدرة في وقتنا الحالي، للدفع باتجاه تلك المأسسة وتحمل هذه المسؤولية القومية الكبرى، لاعتبارات يدركها جميعنا.

ومما هو مطلوب أمام هذه المأسسة كذلك، اعتبار كل أرض عربية محتلة ذات أولوية قصوى، لا تفريق بين أرض وأخرى، ولا بين عربي وآخر، فترك جزء تحت سلطة احتلال، يعني فيما يعنيه تخلياً عن حق، يدفع الآخرين إلى تعزيز أطماعهم في حقوق أخرى لنا، وفتح المجال أمام توسع التدخلات والاحتلالات كما شهدنا طيلة العقود الماضية.

أيها السادة والسيدات:

إن غياب استراتيجية عربية مشتركة ووسائلها المناسبة لتقوية العرب في ميزان لعبة الأمم، والتي من أبجدياتها توفر الإرادة لبناء مستوى ضروري من التماسك، ديمقراطيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا ودبلوماسيا. يبدو ضرورة ملحة لبناء وزن خارجي يتلافى هذا التفاوت المريع في الأحجام والأدوار.

إن الاستمرار في التقوقع داخل الحدود القطرية لكل بلد لن تمثل حلا؛ مهما كانت التدابير الحكومية، فلا أمل للعرب إلا أن يكونوا أمة كما أراد لهم الدين والجغرافيا والتاريخ والتحديات والمصالح ومنطق العصر. إذ لا بد من حياة عربية مستأنفة وجديدة تسودها قيم الجماعية والتضامن الفعلي والتشاور والتحاور، والتنسيق وتعبئة الموارد.

ولابد لنا أن ندرك حالياً –وبشكل مستعجل واستراتيجي- حجم التطورات التي يشهدها النظام الدولي، سواء في بروز قوى إقليمية جديدة –وعلى رأسها إيران- وطبيعة علاقاتها التحالفية الجديدة مع القوى الغربية، أو لناحية الإنهاكات التي طالت القطب الأوحد –الولايات المتحدة- وعودة بروز قوى دولية تسعى لإيجاد موطئ قدم مصلحي لها على أرضنا -روسيا-، وما سيعكسه ذلك على طبيعة العلاقات الدولية وشكل النظام الدولي في المرحلة القادمة، وبالتالي على كينونتنا كمجتمعات وكدول.

هذه المتغيرات تحتم علينا بذات الأهمية المستعجلة،أن نعيد قراءة خريطة تحالفاتنا وأولوياتنا ومصالحنا، بالاستناد إلى مقدرات القوة التي ما زلنا نمتلكها، والتي ما زال بالإمكان توظيفها في إطار علاقاتنا التحالفية –التقليدية أو المستحدثة- لحماية مصالحنا وفرض شروطنا، قبل أن تدفع القوى الخارجية إلى تجريدنا منها، وتفكيك ما تبقى من أمتنا.

أيها السادة والسيدات:

على العرب اليوم تلافي أوضاعهم وصياغة استراتيجية واضحة محددة تعتني بأسئلة عشرة  – دون تفاصيل –

  • ما هي أفضل وأكفأ السبل لتصعيد وتيرة المدافعة مع القوى المعادية المباشرة وغير المباشرة حتى لا نخسر أكثر؟ وهو سبيل هام لقمع التطلعات التوسعية على حساب التاريخ والهوية والمصالح وجغرافية الأمة العربية.
  • كيف نطور رؤية واضحة وذات أثر لاسترداد الأراضي العربية المحتلة؟
  • وفي ظل زمن عولمي حر ومعقد وفي ظل هجمة لا سابق لها، كيف يمكننا إعادة ترميم وبناء الذاكرة الجماعية العربية للعرب في المناطق المحتلة وفي غيرها من بلدان العالم؟

فالمستقبل ينتمي للشعب الذي يملك أطول ذاكرة ” حسب نتشه وهو محق؛ فليس من الحكمة أن تصبح فلسطين والأحواز والجزر الإماراتية واللواء وسبتة ومليليه مجرد ذكرى خاوية!

  • كيف نجدد سؤال الوحدة؟ في ظل تطورات نوعية تعصف بمفاهيم الزمان والمكان والحدود، في هذه اللحظة من التطور الإنساني.
  • وسيظل السؤال المنهجي والمنطقي سؤالا حاضرا وماكرا يتعلق بالكيفية والأولويات؟

( عورة الحدود / عورة التفتت /عورة الجهل/ عورة الفقر)

  • ما المانع اليوم من خلق الحدود الدنيا للتضامن في أشكاله الدفاعية والاقتصادية والثقافية والفنية التقنية؟
  • كيف نجعل من أشواق الحرية والتغيير دعوة للعقل البناء والحراك السلمي الضاغط بدل الجنون والتدمير؟؛ لا يمكن أن تكون الديموقراطية في العالم آلية للتقدم وإدارة الخلاف والاختلاف، وتكون عندنا دعوة مفتوحة للحرب، علينا العمل على تحرير العقول ومن ثم وسائلنا، نحتاج لصفقات وصفقات للتطبيع مع واقعنا، من أهمها صفقة تاريخية بين الأمة وحكامها.
  • كيف نجعل من الدين عامل بل أساس وحدة وازدهار، وليس العكس؟ كيف نقرأ ونطبق المبادئ الدينية في إطار من الفهم والتأويل الصحيح؟ أي كيف نقيم صناعة تدين سمح وموحد مزدهر ومقاوم؟

كيف نخلق نكيرا عاما يكون تلقائيا في نفوس الناس (صناعة الضمير) يمج الكراهية والظلم وتجاوز القانون؟

  • ويا له من سؤال كيف نزاوج بل نصالح بين العلم والقرار العام؟
  • ويظل السؤال الأخير والكبير هو سؤال “الإرادة” ؟!

أيها السادة والسيدات:

ليس صحيحا أن مشاريع ورؤى النهوض غير موجودة

وليس صحيحا أننا لا نتوفر على الوسائل للنهوض!

الصحيح هو غياب الإرادة الجماعية وعدم التبني الجماعي لفكر الوحدة والنهضة والإحياء، فظلت المشاريع الكبرى حبسة الأدراج مشاريع أفراد وأحزاب وجماعات، ولم ترتقِ إلى مستوى مشاريع أمة، وهنا أهمية بل ومشروعية الدعوة لمأسسة فكر الوحدة والتجديد وبناء أنظمة لتبيئة التفكير الجماعي والعمل والتخطيط والإنتاج.

أيها السادة والسيدات:

حقا إن للحديث لشجونا، فقد تفلت من بين أصابعنا؛ لكن الحق أن هذه المشكلة لا يمكن النظر إليها في مقاربات جزئية بعيدة عن الكليات الكبرى المتعلقة بالوحدة والتضامن وبناء ريح الأمة.

وقديما قال الشاعر العربي:

ولو كان هما واحدا لكتمته

ولكنه هم وثان وثالث.

أيها السيدات والسادة:

ذلك ما على العرب فعله، وعلى إيران أن تستمع لنادي العقل والمصلحة فالجغرافيا عنيدة والأيام متداولة، عليها أن تختار بين الكف عن المواجهة وانتهاج سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في القضايا العربية والخروج من الأرض العربية المحتلة، وأن تنفض يدها من توتير الأوضاع في منطقتنا، وأن تعيد لواجب الأخوة والاتحاد الإسلامي اعتباره.

أخيرا أطالب من هنا دعم الحقوق الشرعية والقانونية واتخاذ كافة التدابير العملية من فتح مكاتب لحركة تحرير الأحواز في كل البلاد العربية، وتقديم المعونة والدعم السياسي والإعلامي والمالي.

وأن نواصل في البحث عن أصدقاء وحلفاء لهذه القضية من أحرار العالم، وفي مختلف الفضاءات السياسية  والجغرافية والمنظماتية في كل العالم.

وأشكركم

السعد بن عبد الله بن بيه

مؤتمر “المقاومة الأحوازية وعاصفة الحزم”

(كوبنهاجن: 28-29 تشرين الثاني/نوفمبر2015)

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق