في ذكرى أحداث الحادي عشر من أيلول: من عولمة” القاعدة” إلى عولمة ” داعش”

مقدمة

شكلت أحداث الحادي عشر من أيلول تحولاً مفصلياً، ليس في تاريخ منطقة الشرق الأوسط وحسب، إنما في أنماط التفاعلات الدولية في حقبة ما بعد الحرب الباردة، حيث وجدت الولايات المتحدة نفسها قطباً أوحداً في مواجهة المهام الدولية الجديدة، التي اعتبرها العديد من المفكرين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة الأمريكية، لا تتناسب وتحديات السياسة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين.

أحداث الحادي عشر من أيلول: عقيدة المحافظين الجدد وشرعنتها إسلاموياً

يمكن الحكم على سياسة بوش الأبن بأنها متابعة لسياسة والده، المتمثلة بالهيمنة على الاقتصاد العالمي من جهة، ومنظمة الأمم المتحدة من جهةٍ أخرى، وذلك بتبني عقيدة المحافظين الجدد، التي اتهمت إدارة كلينتون بالفشل في تحديد الهدف الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

في الخامس والعشرين من تشرين الأول من العام 1994، تحدث أنتوني ليك Anthony lake، مستشار كلينتون لشؤون الأمن القومي، عن الحالات التي تستدعي الرد على أي هجوم مباشر على الولايات المتحدة ورعاياها بالداخل والخارج، وكذلك الهجوم ضد حلفائها والدفاع عن المصالح الاقتصادية الأمريكية الحيوية” 1، معتبراً – أي انتوني ليك-أنّ إدارة كلينتون لم تجد حتى الآن تهديداً محدداً ترتكز عليه. فأحياناً يكون هذا التهديد الخطر الإسلامي وأحياناً تكون دول إقليمية كالعراق وليبيا، وأحياناً يتم التركيز على مشكلات مثل الجريمة والإرهاب وأسلحة الدمار الشامل”2.

 يرى “بول وولفوتز” – الذي أصبح فيما بعد قائداً للقوات الأمريكية في العراق سنة  2003- ” أنّ هناك ارتباكاً في الإدارة الأمريكية، بشأن تحديد مصالح قومية أساسية، يتم تعبئة الشعب الأمريكي حولها، فالإدارة الأمريكية (أي إدارة كلينتون)، أخفقتْ في التوصل إلى اتفاق أو تفاهم على مصلحة قومية محددة”3.

وعلى هذا الأساس، لقد تم الترويج لعقيدة سياسية، نظّر لها مجموعة عُرفت بـ “المحافظين الجدد”، تبنتْ عقيدة دينية عرفتْ بالمسيحية الكاثوليكية الصهيونية Zionist christian، ترافقتْ مع طروحات متحمسة في العقلية الصهيونية، لخصها بنيامين نتنياهو في كتابه الذي نشره في العام 1996، بعنوان “استئصال الإرهاب”    Terrorism root up، الذي سمّى فيه الإسلام بـ” الخطر الأخضر ” The green danger.  فأصبحت فكرة الحرب ضد الإرهاب عقيدة سياسية، لا تستند إلى أية أسس قانونية4، بقدر ما هي تحول ديناميكي لاستراتيجية أمريكية إسرائيلية ثابتة، يتم من خلالها التوصل والتفاهم على المصالح المشتركة، وتحديد الهدف الذي لم تستطع أنْ تحدده، أو تتجرأ عليه إدارة كلينتون.

قبل وصول بوش الأبن إلى سدة الرئاسة الأمريكية، حدد المحافظون الجدد أهدافهم في معاداة الإسلام، كمدخل لمتابعة استراتيجيتهم في الشرق الأوسط، بدءً من العراق، وتصفية القضية الفلسطينية، وضمان التواجد العسكري المباشر لاختبار الأسلحة الأمريكية الجديدة، وتهميش الدور الأوروبي، ومنع ظهور مراكز قوى دولية، تؤثر في المصالح الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء.

وعلى هذا الأساس، تم تبني سياسة خارجية واحدة ضد عدو واحد، يضمن للمحافظين الجدد على الصعيد الداخلي، تنفيذ سياساتهم والتأثير من خلالها على الأمريكيين، الذين انقسموا بين مؤيد ومعارض على مسألة تشعب المهام الخارجية لبلادهم، كما يضمن للسياسة الأمريكية على الصعيد الخارجي القدرة في تسخير مجلس الأمن الدولي، من خلال ما تراه حفظاً للسلم والأمن الدوليين، وبالتالي تحقيق مرتكزي الاستراتيجية الأمريكية في القوة والدبلوماسية.

القاعدة: خطر مباشر، وعدو محدد وواضح

كان لإدارة بوش ما أرادتْ، عندما تغير كل شيء صباح الحادي عشر من أيلول 2001، عندما تم استهداف أعظم صرحين للحياة في الولايات المتحدة الأمريكية، نُسب لتنظيم “مسلمي” القاعدة، ما يعني أنّ خطراً مباشراً وعدواً محدداً، تجرأ بالهجوم على الدولة الأعظم في وضح النهار، وفي عقر دارها، مما جعل من هذا العدو مرمىً واضحاً أمام الاستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة، بل وبرر لها حق الدفاع عن النفس، كحق متأصل استناداً إلى نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي شرعنتْ لعقيدة المحافظين الجدد الحرب على الإرهابwar against terrorism، وذلك بتشكيل تحالف دولي تحت مظلة المنظمة الدولية، فقد أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1368 بتاريخ 12 أيلول 2001، الذي دعا بصورة عاجلة لتقديم مرتكبي هذه الهجمات للعدالة، ومسؤولية كل من ساعد أو دعم أو أو مرتكبيها.

 

عولمة مكافحة الإرهاب

 لم يتوقف مجلس الأمن عند هذا الحد، إنما أتبعه بالقرار الشهير 1373 تاريخ 28 أيلول 2001، الذي دعا فيه تعاون جميع الدول بتنفيذ اتفاقيات دولية لمنع ووقف أي عمل إرهابي، وتجميد الأموال لكل من يحاول أو يرتكب أعمالاً إرهابية، وعدم توفير الملاذ الآمن لهم.

وعليه، شرعنتْ الولايات المتحدة لنفسها الحرب ضد أفغانستان، بالاستناد على حق الدفاع عن النفس Right of self defense، على اعتبار أنها تأوي زعيم تنظيم القاعدة، بعد أنْ تجاهل مجلس الأمن الدولي، أنْ الاعتداء لم يحصل من قبل دولة، حتى تكون أفغانستان مستهدفة، كما أنّ المجلس لم يلجأ إلى الوسائل القانونية، بالطلب من أفغانستان تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إنما امتثل للاتهام الأمريكي، الذي حدد بشكل فوري ومباشر، تورط ومسؤولية تنظيم القاعدة، وأنّ لديها أدلة دامغة تثبت ذلك5، الأمر الذي يدلل على ما تبيته إدارة بوش من وراء ذلك.

في العشرين من أيلول من العام 2002، صدرتْ وثيقة الأمن القومي الأمريكي التي عولمتْ مكافحة الإرهاب، وتبنت مفهوم الحرب الاستباقية Pre-emptive war، التي أعطتْ إدارة بوش الحق في مجابهة أية دولةلمجرد الإشتباه بأنها تفكر بإلحاق الضرر بالمصالح الأمريكية.

وعلى هذا الأساس، وضعت إدارة بوش مسألة الحرب على العراق، في مقدمة سياستها لمحاربة ما أسمتها بـ” الدول المارقة، التي تمتلك – على حد زعمها – أسلحة الدمار الشامل، وتهدد المصالح الأمريكية. في تعارض واضح وصريح مع مبدأ حق الدفاع عن النفس، الذي تضمن ضرورة وقوع عدوان حاصل ومتحقق وليس محتملاً، الأمر الذي أفرز انقساماً داخل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، التي اشترطت صدور قرار من مجلس الأمن الدولي. إلا أنّ الولايات المتحدة مارستْ ضغوطها على الأمم المتحدة، لإستصدار القرار 1441 تاريخ 8 تشرين الثاني 2002، الذي شكل غطاء لاحتلال العراق في التاسع من نيسان من العام 2003، علماً أنّ مجلس الأمن الدولي، قد منح العراق فرصة أخيرة للالتزام بنزع السلاح، كما حذره بمواجهة عواقب خطيرة، إذا لم يمتثل لمقتضيات القرار، مما يعني أنّ القرار قد تضمن اختصاص مجلس الأمن الدولي دون غيره في تقدير التزام العراق، وبالتالي هو الذي يقرر الحرب، وهو ما لم يحصل في الحالة العراقية، على اعتبار أنّ الإدارة الأمريكية، كانت قد سارتْ باستراتيجية متسارعة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، مقتنعةً أنّ احتلال العراق سيحقق أهدافها في المنطقة، خصوصاً ما تعلق منها بإقحام  الإسلام في المعادلة الدولية، كمقدمة لصراعات طائفية وأثنية، وبما يحقق تصفية الصراع الإسرائيلي العربي.

وعلى هذا الأساس، بدأت الولايات المتحدة بانتهاج سياسة متسارعة، بدأتها بسياسة إعادة تشكيل الخارطة السياسية، وإعلان خارطة طريق جديدة، في إطار ما سمي بـ “مشروع الشرق الأوسط الجديد”، الذي جرّ كوارث وانقسامات وفوضى، دفعت ثمنها شعوب المنطقة العربية دون غيرها.

 

 أوباما: من عولمة ” القاعدة” إلى عولمة ” الدولة الإسلامية في الشام والعراق”

أدرك منظرو الاستراتيجية الأمريكية، الأثر الذي تركته إدارة بوش في إنهاك الميزانية الأمريكية من جهة، وتهديد “الديمقراطية” الأمريكية، وسمعتها في العالم، وما على الولايات المتحدة بعد ذلك، إلا أنْ ترد ماء وجهها، باتخاذ ما يلزم من الإجراءات، لإعادة هيبة الديمقراطية الأمريكية أمام العالم.

  اُعتبر انتخاب باراك أوباما، كأول رئيس مهاجر ملون من أصول مسلمة، سابقةً لم تعرفها سدة الرئاسة الأمريكية، كضرورةً دعائية لتغيير الوجه الأميركي في العالم، فقد انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية، استراتيجية جديدة تقوم على مفاهيم جديدة للقوة الأمريكية، إعادة تعريف السياسة الخارجية، وذلك بالانتقال من القوة الصلبة إلى القوة الناعمة والذكية.

وعليه، طرحت إدارة أوباما فكرة تجنب الإغراق في العقيدة العسكرية، والتركيز قبل كل شيء على الأمن الداخلي والتنمية، اللتان أصبحتا الضابط الأساسي للأمن القومي الأمريكي. حيث انطلق أوباما من فكرة تختصر مفهوم الأمن بالتنمية، فبدون التنمية لا يمكن أنْ يوجد أمن، وأنّ الدول التي لا تنمو في الواقع، لا يمكن لها – ببساطة – أنْ تظلّ آمنة”6.

إدارة أوباما والتعاطي مع الثورات العربية

شكلت استراتيجية الانكفاء الأمريكي أساساً في تعاطي أوباما مع الثورات العربية، دون التخلي عن تنظيم وقيادة النظام الدولي، من خلال دبلوماسية التحالفات، التي وضعتْ مسألة حل الصراعات الدولية على عاتق القوى المحلية، عن طريق جماعات أو أفراد أو دول إقليمية، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه، لحالة من التشتت والتنافس والصراع والتواطؤ في إطار التفاعل مع الثورات العربية، والاضطلاع بحلها.

أدى ذلك إلى تعقيد الثورات العربية، التي أصبحت ساحة للصراعات الدولية، فقد عرفت الحالة السورية تشابكاً وتصادماً بين جميع الأطراف، التي أوغلت في الدم السوري، من حيث تدري أو لا تدري، لا سيما مع بروز فكرة “اسلمة” الثورة السورية، التي اُشتغل عليها بشكل ممنهج، أوصل الثورة إلى طريق مسدود، حال دون التعددية في المشروع الثوري، أو التعبير عن نبض الشارع السوري، الذي ظل عبر تاريخه الطويل عنواناً للعيش المشترك، والحياة المدنية والإسلام المعتدل.

خاتمة

 لقد شكلت أحداث الحادي عشر من أيلول، الفكرة الأساس لزج الإسلام في المعادلة الدولية، فقد اشتغل المحافظون الجدد على تشويه الصورة الحقيقة للإسلام، من خلال تقديم صورة “إسلاموية” نمطية، لا تمت ألبته لدور الإسلام والمسلمين في الحضارة الإنسانية.

الفكرة ذاتها، تجلت في الثورة السورية، التي تحولت إلى حرب عالمية ثالثة، أعادت تشكيل النظام الدولي من القطبية الأحادية إلى نظام متعدد الأقطاب، بما يحقق المصالح الذاتية لجميع الأطراف، التي استمرأت فكرة  “أسلمة” الثورة السورية، فتحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية و الإقليمية من خلال  تثوير العامل الطائفي والإثني، وإفرازاتها التي أوصلت الثورة السورية إلى مراحل من التعقيد والتشابك والفوضى، أبحت معها رحماً خصباً لكل ما هو متشدد ومتطرف، في استمرار يومي لقصة الموت العلني للسوريين وشعوب المنطقة العربية، التي ما أن خرجت من عولمة القاعدة، حتى دخلت في دوامة عولمة “داعش”، التي أعلنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في إطار حرب طويلة الأمد، لا يريد لها أن تنتهي في ولايته على أقل تقدير، تاركاً مسألة حسمها لمن يأتي من بعده، وبما يؤمن استمراره في سياسة الانكفاء الأمريكي، الأمر الذي  يفتح الباب من جديد، لاستمرار فكرة صناعة الدول الفاشلة والمتصارعة داخلياً،  من لبنان، إلى العراق، فاليمن وسورية، اللهم إلا أذا حسمت الشعوب أمورها.

 

د. محمد خالد الشاكر

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

 

الهوامش:

هالة سعودي، ” الأمم المتحدة وتأثيرها على القرار داخل مجلس الأمن”، في كتاب “الأمم المتحدة وضرورات الإصلاح بعد نصف قرن، وجهة نظر عربية”، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، أيلول 1996، ص 64.

– Anthony Lak, “ Power and Diplomacy, America,s Democracy Defens”, NewYork Times, 1994, pp.24-25.

Ibid-

د. محمد خالد الشاكر، صناعة القرار الدولي، جدلية العلاقة بين العلاقات الدولية ومبادئ القانون الدولي العام، دراسة تأصيلية مقارنة، (دمشق: وزارة الثقافة، الهيئة السورية العامة للكتاب، 2010)، ص174، 174.

انظر: كمال حمّاد، الإرهاب والمقاومة في ضوء القانون الدولي العام، (بيروت: المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، 2003)، ص 18.

روبرت مكنمارا، جوهر الأمن، ترجمة” يوسف شاهين”، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1970)، ص 125.

الوسم : أمريكاداعش

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق