صنعاء الخمينية

ما يجري في اليمن هذه الأيام، يعادل، إن لم يجاوز، ما يجري في العراق وسوريا، على الأقل بالنسبة لدول الخليج، خاصة السعودية.

جماعة الحوثي هي الأخطر «استراتيجيا» للسعودية والعرب، فهي حلقة ضمن مشروع أكبر هو المشروع الإيراني الهجومي المعقد.

 

«القاعدة» ومتفرعاتها، «داعش» وفروخها، ليست متصلة بمشروع مساند، تقف خلفه مقدرات وعقائد دول. لكن الحوثية عضو من جسد، وجمرة من نار فارسية خمينية خالدة.

الآن أنصار الحوثي يحاصرون صنعاء، ويهاجمون شمالها، وينشرون الفوضى، ويبتزون الحكومة، والرئيس عبد ربه منصور، فاقد للحيلة، لا يملك غير الوعظ والهجاء للحوثي، وقديما قيل: أوسعتهم شتما وأودوا بالإبل.

غرض الحوثيين واضح، وهو ابتزاز الحكومة في صنعاء، وفرض شروط على الدولة، بل اختطاف الدولة بحجة ارتفاع الأسعار، وهي حجة انتهازية واضحة.

مبعوث الأمم المتحدة لليمن جمال بن عمر غادر قبل أيام صعدة، معقل الحوثيين، عائدا لصنعاء دون التوقيع على اتفاق مع الحوثيين الذين يرهبون سكان صنعاء ومطارها. حسب الأخبار، يشترط الحوثيون لوقف القتال، ضمن شروط أخرى، تأمين منفذ لهم على البحر. المنفذ هدف قديم للحوثيين، والمعنى واضح، وهو خلق جغرافيا دويلة قابلة للبقاء، لها ميناء ومعاقل، كما «حزب الله» في لبنان.

الخطير هذه الإمارة «الخمينية» ولا أقول الزيدية، التي يراد خلقها على حدود السعودية الجنوبية، استهداف إيران للسعودية، بعد خسائرها بالعراق وسوريا وغزة.

حين نقول إن الحوثي مجرد جندي في الجيش الخميني، فنحن نقول بدلائل. عبد الملك الحوثي، اتهم في تصريح لصحيفة «النداء» اليمنية 12 يونيو (حزيران) 2008 السعودية «بالتورط في سفك الدم اليمني استرضاءً لأميركا»، محذرا من أنه سيصنف السعودية «عدوًا»، مبديا في نفس الوقت لـ«الوسط» البحرينية تأييده سياسة إيران.

المذهب الزيدي كما شكا، قبل قرون، أحد أعلامه العالِم محمد بن إسماعيل الصنعاني، ليس مذهبا مغلقا متماسكا بمقولاته ومراجعه وذاكرته، بل هو نسق مفتوح للتطوير والإثراء، فيه العالم السلفي مثل الشوكاني. وفيه الغالي الدموي مثل الإمام عبد الله بن حمزة (توفي 614ه) الذي ارتكب مجزرة بحق جماعة من رعيته هم «المطرفية»، فقط لقولهم بأنه لا يشترط أن يكون الإمام من نسل الحسن والحسين، أو «البطنين» حسب المصطلح الزيدي الشهير. وفيهم الفقيه المستقل والمفكر الحر مثل محمد بن إبراهيم بن الوزير (ت 840 ه).

حسين الحوثي هو مؤسس الحركة الحالية، مر بعدة تحولات، من حزب المؤتمر الحاكم، للضفة الخمينية، وهو مقدس لدى أتباعه. تتبين النزعة الخمينية الغالية لدى حسين (قتل سبتمبر/ أيلول 2004) في الكتاب المسمى «ملازم» الحوثي، وهي تفريغ نصي لتعليقات الحوثي في تفسير القرآن. يتحدث حسين الحوثي في ملازمه، عن هزيمة السنة عبر التاريخ لأنهم لم يوالوا عليا، ثم يقول: «من الحماقة أن نرتبط بهم». (ملزمة تفسير سورة المائدة). وفي نفس الملزمة يتحدث عن صفات الخميني المثالية بوصفه من تجتمع به: «الصفات والمعايير الإلهية«.

الخطب جلل، وما يراد لليمن جلّ أن يسمى.. البدار البدار.

مشاري الذايدي

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق