زيارة تصحيح إزدواجية مسار أوباما

وصل الى واشنطن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، تلبية لدعوة الرئيس باراك اوباما، نقلها اليه وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر. وهذه أول زيارة رسمية يقوم بها الملك سلمان لواشنطن منذ توليه الحكم في كانون الثاني (يناير) من هذه السنة. ويرافق العاهل السعودي وفد رفيع مؤلف من سبعة وزراء بينهم وزير الخارجية السفير السابق لدى الولايات المتحدة عادل الجبير.

ويشير البرنامج الذي أعلنه الناطق باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، الى أن الوفد سيلتقي كبار المسؤولين الأميركيين في وزارات الخارجية والدفاع والاقتصاد. وأعلن بهذه المناسبة وزير الخارجية جون كيري أن بلاده ستعزز القدرات الدفاعية الصاروخية لدى السعودية ودول الخليج. وقال في خطاب أمام مركز الدستور الوطني في فيلادلفيا، إن منظومة الدفاع الصاروخي هي ضرورة استراتيجية وعامل أساسي لردع العدوان الإيراني ضد أي دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي.

الثابت من مراجعة عمليات التسلح، أن المملكة العربية السعودية اعتمدت في هذا المجال سياسة تنويع المصادر منذ صفقة الصواريخ الصينية في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز. وتضمنت الصفقة الأولى في حينه امتلاك منصات عدة لصواريخ يبلغ مداها 1600 ميل، من طراز CSS-2.

وقد اعتذرت ادارة الرئيس رونالد ريغان في حينه من المملكة، لأن غالبية شيوخ الكونغرس كانت تتأثر بإيحاءات اللوبي الإسرائيلي، ولأن تلك الغالبية كانت ترفض الموافقة على بيع صواريخ للمملكة يصل مداها الى مدن اسرائيل.

المهم، ان صفقة الصواريخ الصينية دشنت طريق توسيع منظومة الصواريخ، بحيث وقعت الرياض مع موسكو عقودًا عدة، بينها شراء أنظمة صواريخ متطورة للدفاع الجوي من نوع «اس – 400».

وقبل وفاة المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز بفترة قصيرة، عززت السعودية مشترياتها من شركات الأسلحة الأميركية بإبرام صفقة كبيرة شملت 84 طائرة مقاتلة ومروحيات من مختلف الأنواع بقيمة ستين بليون دولار. وذكِر في حينه أن فترة التسليم قد تمتد الى أكثر من 15 سنة، الأمر الذي يعني استمرار شراء قطع الغيار ومواصلة التدريب.

ويرى العسكريون في الولايات المتحدة أن مراعاة هذه المفاضلة في التعامل لم تعد تخضع للمعايير الجديدة التي ستطبقها السعودية بعد إبرام الاتفاق مع ايران. والسبب أن الرئيس باراك اوباما هو الذي اختار إلغاء الاتفاق التاريخي الذي عقِد عام 1945 بين مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز والرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت على متن الباخرة «كوينسي». وتضمنت تلك المحادثات إعلان رغبة الطرفين في فتح صفحة جديدة من التعاون والتشاور حيال كل خطوة تقوم بها واشنطن بالنسبة الى فلسطين. ولكن حرب 1948 وحاجة المرشح هاري ترومان الى المال اليهودي لتغذية حملته الانتخابية، شكلتا العامل المؤثر الذي ألغى ذلك التعهد.

أما في عهد باراك اوباما فإن اكتشاف النفط الصخري، وإعلان الاكتفاء الذاتي، والقدرة على التصدير، كل هذه المستجدات شجعت الرئيس الأميركي على اعتماد مسار سياسي – اقتصادي يقربه من ايران.

مطلع السنة الماضية تحدث الرئيس اوباما عن مستقبل الشرق الأوسط وإيران أثناء مقابلة أجرتها معه مجلة «نيويوركر». وقال ما خلاصته إن هاجسه الكبير يرتكز على ضرورة إرساء قاعدة توازن جغرافي – سياسي جديد، يمكن أن يمثل عامل استقرار لمنطقة مزقتها الحروب الأهلية ونشاطات الإرهابيين والمعارك الطائفية. ولمّح في حديثه أيضاً الى إمكان التعاون مع ايران في مجالات أخرى غير الملف النووي.

وكان من الطبيعي أن يستنفر هذا التحول السياسي كبار المحللين والمعلقين الذين اكتشفوا في عبارات الرئيس بداية نهج يقود الى تغيير خريطة المنطقة. وتساءل مايكل دورن، المدير السابق لشؤون الشرق الأوسط في المجلس الأمني، عن «اللعبة الكبرى» التي تتكلم عنها ادارة اوباما. وكتب في مجلة «موزاييك» مقالة يقول فيها إن اوباما يحلم بتقارب مع ايران شبيه بتقارب ريتشارد نيكسون مع صين ماو تسي تونغ. واعتبر الرسائل الشخصية المتبادَلة منذ عام 2009 بين اوباما ومرشد النظام علي خامنئي، مؤشرات يصعب الاستهانة بها. كما اعتبر أيضاً أن المفاوضات الثنائية السرية مع الرئيس حسن روحاني كانت بمثابة اتفاق ضمني مع طهران على بقاء الأسد في منصبه.

ووفق معلومات صحيفة «وول ستريت جورنال» فإن أوباما وجّه رسالة إلى علي خامنئي يبلغه فيها أن قواته لن تستهدف قوات الأسد أو القوات الإيرانية في حملتها على الدولة الإسلامية (داعش).

ومع دنو موعد الاتفاق، كثرت الآراء التي توجّه سهام الانتقاد الى مشاريع اوباما الإيرانية. واشترك في هذه الحملة هنري كيسنجر، الذي أعرب عن قلقه من الاستعداد لقبول دور طهران الإقليمي على حساب أدوار الحلفاء السابقين. وشاركه في هذا القلق مارتن انديك، الديبلوماسي السابق في ادارة اوباما، الذي توقع من خامنئي عدم التنازل عن طموحات جمهورية ايران الإسلامية. وقد أكد خامنئي في إحدى خطبه أمام الجماهير بأن الاتفاق لم يشِر الى تغيير الأهداف السياسية والجيو – استراتيجية لإيران في المنطقة، بل العكس. وقال إن هذا الاتفاق يساعد ايران على الحفاظ على قوتها الإقليمية.

ومعنى هذا أن ايران ستشعر بقوة إضافية نتيجة الإافراج عن الأموال المجمدة. ومن المحتمل أن يكون التعبير عن ذلك المنحى بممارسة مزيد من التدخل في اليمن والعراق وسورية ولبنان. خصوصاً أن الغاية المتوخاة من تحريض الحوثيين على إرباك الجار السعودي هي التوصل الى إعلان «الجمهورية الإسلامية اليمنية» فوق جزء من اليمن الشمالي.

وكان أمين عام مجلس التعاون الخليجي، عبداللطيف الزياني، قد أبلغ وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أن مخاوف الخليجيين ليست محصورة بالبرنامج النووي الإيراني، وإنما بالسعي الدائم، منذ ثورة الخميني، إلى السيطرة على المنطقة عبر مجموعات مذهبية موالية لها، في اليمن والبحرين ولبنان والعراق وسورية.

لهذا السبب، حرص الرئيس اليمني الشرعي عبد ربه منصور هادي على زيارة الملك سلمان في طنجة، والاتفاق معه على ضرورة إثارة هذه المسألة الخطيرة خلال محادثاته مع اوباما. كذلك اغتنم الوزير كيري هذه الزيارة ليعلن وقوف بلاده الى جانب السعودية في حربها ضد «داعش» ومختلف منظمات الإرهاب في المنطقة. وقال ما معناه إن الرئيس كان مضطراً الى اعتماد خيارين لا ثالث لهما: إما إقناع ايران من طريق الديبلوماسية… وإما تهديدها بالحرب. وقد راهن على ديبلوماسية النفس الطويل.

ولكن هذا الرهان واجه قلق الرئيس من نتائج الحروب التي افتعلها الحزب الجمهوري في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى. لذلك قرر سحب قواته من مختلف المواقع على أمل نشر سلام مستديم يحل محل الحرب بمشاركة دول المنطقة وموافقتها.

وكان بهذا التصور الساذج يسعى الى إحياء معاهدة سلام شبيهة بمعاهدة فرساي التي عقدت في باريس (أيار – مايو 1919). ويعتقد اوباما أن باستطاعته تقليد تلك المعاهدة لإنهاء ما خلفه «الربيع العربي» من حروب وكوارث وعمليات تهجير غير مسبوقة.

والثابت أن هذه الطموحات كانت تفتقد لرؤية استراتيجية ليست متوافرة لدى رئيس سحر الناخب الأميركي بفصاحته وفن استخدام موهبته الخطابية. لذلك اعتمد على مستشار خاص، يكن له الكثير من الإعجاب والاحترام، هو فريد زكريا. وقد استضافه الكاتب زكريا في برنامجه على قناة «سي ان ان»، واختار له أسئلة محددة تسعفه على إيجاد نقاط إيجابية للاتفاق النووي مع ايران.

النصيحة الأولى التي قدمها فريد زكريا للرئيس اوباما كانت ترمي الى تقليد نتائج الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر للصين الشعبية عام 1972. وبما أن تلك الزيارة كانت المدخل لتغيير طبيعة النظام المتحجر، بحيث فتحت أمام ماو تسي تونغ كل الأبواب الغربية الموصدة… هكذا توقع زكريا في مقالة نشرها في مجلة «تايم» – 14 تشرين الأول (اكتوبر) 2013 – أن يحدث الانفتاح الأميركي – الأوروبي على ايران تغييراً في بنية النظام وطموحاته الإقليمية.

النصيحة الثانية التي أسداها زكريا للرئيس اوباما ظهرت من خلال أسوأ مقالة كتبت عن السعودية. وقد نشرها في مجلة «تايم» (11 تشرين الثاني – نوفمبر 2013). وفيها يزعم أن العقيدة الوهابية مسؤولة عن انتشار الإسلام الراديكالي الذي يغذي الحركات السلفية. ووصف شيعة ايران بأنهم جماعة يمكن التعاطي معها بحرية في الشأنين الديني والسياسي.

وهنا، لا بد من الإشارة الى أن الملك سلمان – عندما كان ولياً للعهد – تصدّى لمروّجي هذه المزاعم، وكتب مقالات عدة حول هذه العقيدة، مبيناً كيف أخمدت الفتن بين القبائل عام 1932… وكيف وحدت المجتمع المفكك أثناء إنشاء الدولة السعودية.

بقي أن نشير الى صعوبة المسار المزدوج الذي اختطه الرئيس اوباما، وكيف أنشأ سياسة التوازن بين دولة قديمة صديقة تدعى المملكة العربية السعودية ودولة جديدة في صداقتها تدعى الجمهورية الإسلامية الإيرانية!

نقلاً عن الحياة اللندنية

بقلم: سيلم نصار

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق