رعد الشمال يفشل خطط تقسيم سورية

منذ احتلال أمريكا العراق سقط مركز القرار العربي في بغداد، لكن بعد ثورات الربيع العربي تساقطت مراكز قرار عربي أخرى في العديد من الدول العربية في مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن، وأصبحت المنطقة ما بين مشروعين الأول المقاومة في غطاء الدفاع عن فلسطين الذي تقوده إيران، ومشروع قديم متجدد متمثل في تيارات الإسلام السياسي الذي ترعاه تركيا، ليس لقضم المنطقة العربية بل من أجل الهيمنة عليها ما بين إيران وتركيا.

حاول المشروعين محاصرة البقية الباقية من المنطقة العربية التي استطاعت أن تنجو من هذا الزلزال الذي ضرب المنطقة العربية، في السعودية وبقية دول الخليج، بل حتى دول الخليج مخترقة في العديد من البؤر في منطقة الخليج، في قطر كمركز لجماعة الإخوان المسلمين.

 بينما إيران عبر محور المقاومة الذي ضلل العرب والمسلمين لفترة طويلة جدا من الزمن، تم تعزيز هذا المحور بعنوان عريض مواجهة إسرائيل، أي المتاجرة بالقضية الفلسطينية، لكن ثورات الربيع العربي عرت هذا المحور وكشفت اللثام الذي كان يخفي وجه حسن نصر الله الحقيقي، الذي بدأ هذا المحور يكشر عن أنيابه، وبدأ في الحرب في سوريا بحجة محاربة الإرهاب بهدف أن يحاصر السعودية من كل حدب وصوب، فبدأ لاريجاني يهدد بان الكويت ستصبح ولاية إيرانية ولن تمنعه أي دولة يقصد السعودية، خصوصا بعدما أفشلت السعودية محاولة إيران السيطرة على البحرين عام 2011 بعد ثورات الربيع العربي التي حاولت أن تستثمرها في البحرين، بعدما أرسلت السعودية درع الجزيرة لحماية البحرين من إيران، بعدها بدأت إيران تعلن صراحة وبكل جرأة بأنها أصبحت تحتل أربعة عواصم عربية، أثناء مفاوضات النووي وبعده حيث كانت قراءتها ضيقة لم تتوقع أن السعودية لن تستسلم لتلك الاتفاقيات التي تدرك مضامينها الخفية تحت حجة أن الولايات المتحدة تسع إلى التوازن في منطقة الشرق الأوسط بين إيران والسعودية لكنها لم تتوقع أن السعودية تستثمر مكانتها الإسلامية ومكانتها وقدراتها الاقتصادية والعسكرية وهو ما أفصحت التحالفات التي أقامتها السعودية أنها قوة إقليمية كبرى.

بدأت السعودية بدعم الشعب المصري باستعادة مصر من محور تيار الإسلام السياسي، حيث كانت الخطوة العربية الأولى في استعادة أحد أعمدة القرار العربي الذي سقط في زلزال الثورات العربية،  ثم بدأت عاصفة الحزم بعدما شكلت تحالفا خليجيا وعربيا وإسلاميا، رغم أن الجميع كان يراهن على تفكيك هذا التحالف لكن أثبتت الدبلوماسية السعودية كفاءتها وقدرتها على تجاوز كل التحديات حتى استطاعت التغلب على تلك المحاولات، واستطاعت في الحفاظ على ديمومة عاصفة الحزم التي أعطت أمالا، وفتحت المزيد من أبواب تحالفات أخرى جديدة.

رعد الشمال هي استكمال لعاصفة الحزم، نجد أن الصحف العالمية تصفه بأهم تجمع عسكري في تاريخ المنطقة، وحضور قادة 20 دولة عربية وإسلامية رسالة صريحة لوحدة الصف الإسلامي، صفا كالبنيان المرصوص، يشاهد العالم عزم السعودية كقائد للمسلمين على ردع قوى الشر والتطرف في آن واحد، حيث أن تمرين رعد الشمال تحاكي الحرب الحقيقية، أكد فيها قادة العالم الإسلامي من خلال هذا التمرين قوة التحالف الإسلامي، حتى أصبح العرب يبادلون الملك سلمان الفخر برعد الشمال، بل نجد أن التمرين تضمن نشاطا كبيرا مع الدول المهمة كاجتماع الملك سلمان مع ملوك ورؤساء وقادة مهمين مثل الاجتماع مع السيسي والبشير والرئيس الباكستاني نواز شريف والرئيس الأثيوبي، واجتمع وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان مع وزير الدفاع الأفغاني والماليزي، وهناك لقاءات وزير الخارجية مع الرئيس الهندي، ومن قبل هناك تفاهمات الملك سلمان مع الرئيس الصيني عند زيارته للسعودية.

تزامن مع تمرين رعد الشمال تحرير تعز، ومواجهة مليشيات إيران مثل حزب الله، ووضعه على قائمة المنظمات الإرهابية بقرار خليجي وعربي مع استنكار وزراء الخارجية العرب من التدخلات الإيرانية، بل إن مسؤولا بريطانيا صرح بأن التصنيف الخليجي لحزب الله يعزز الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، حيث بدأ القرار الخليجي بمنع التعامل مع قنوات محسوبة على حزب الله بأن امتنع إعلاميون من الظهور على تلفزيونات الحزب خوفا من تداعياته، حتى أن أجندات حزب الله تبدلت وبدأ مؤيدوه وكوادره التخلي عنه، بل نجد أن قيادي حوثي يطالب طهران بوقف تدخلاتها في شؤون اليمن والكف عن المزايدات بعد الهزائم التي مني بها الحوثي على يد قوات التحالف بقيادة السعودية، بل حتى حماس تحاول تجنب مصير حزب الله بعدما كانت تسانده في رسائل سرية، بعدما أثبتت السعودية علاقة إيران بالقاعدة أصدرت محكمة أميركية تحمل إيران مسؤولية هجمات 11 سبتمبر نتيجة تواطؤها مع القاعدة، مما أحدث غضبا في أوساط الحرس الثوري.

 أصبحت إيران مرتبكة واتجهت إلى خطوة ردة الفعل ردا على تمرينات رعد الشمال بأن عادت إلى المناورات الصاروخية، مما جعل أمين عام الأمم المتحدة يطالب طهران بعدم زيادة التوتر، والكف عن نشاطات طائشة بشأن إطلاق الصواريخ البالستية التي أجرتها طهران المصممة لحمل رؤوس أسلحة نووية، خصوصا وأن بان كي مون ذكر طهران بالحفاظ على القرار الأممي 2231  الذي تم بموجبه إنهاء العقوبات المفروضة سابقا، لذلك تخشى طهران الانفتاح الذي يقود إلى نهاية مشروع الحرس الثوري الذي وضعه الخميني للحفاظ على الثورة الخمينية من بعده، لذلك هو يحارب للإبقاء على الوضع القديم، فيما تعول واشنطن على إحداث اختراق في إيصال الإصلاحيين إلى الحكم، رغم أن الانتخابات الأخيرة حاولت الإيحاء بان الإصلاحيين فازوا في الانتخابات.

من جهة أخرى صوت مجلس محافظة نينوي وهي أكبر محافظة في العراق بالأغلبية بألا يشارك الحشد الشعبي في تحريرها من داعش، لأن الحشد الشعبي مثل حسن نصر الله منظمة إرهابية وهو نفس التركيبة، ويؤدي نفس المهمة التي يقوم بها حسن نصر الله والحوثيين الذي يقاتلهم التحالف بقيادة السعودية في اليمن باعتبار أنهم تابعون للحرس الثوري الإيراني، ليس هدفهم قتال داعش بل إن داعش هي صنيعة إيران وحتى أمريكا من أجل البقاء في العراق وعدم ترك العراق لإيران، وسبق أن ارتكب الحشد الشعبي الذي تشكل عام 2014 وأقدم على مذابح في ديالي ضد السنة ودمروا صلاح الدين وصادروا بيوتها وهم أيضا ضد العربيون الشيعة، الذي يقوده هادي العامري، وهم شعبيون وعنصريون ،وهم قلاع مذهبية طائفية داخل العراق.

البرلمان الأوربي مشغول بالمهاجرين، وتركيا مشغولة بالانضمام إلى الاتحاد الأوربي، رغم أن السعودية تحاول إشراك فرنسا في جهود موازية لإحياء مبادرة السلام العربية في إقامة دولتين في فلسطين بقيادة فرنسا بعد تعثر الدور الأمريكي، ما جعل النسر الأمريكي يعترف بالدور السعودي بعد قيادة السعودية رعد الشمال، فكيري أتى إلى السعودية في حفر الباطن واجتمع بالملك سلمان وولي العهد وولي ولي العهد في مدينة الملك خالد العسكرية قبل أن تتفرق الحشود للوقوف على آخر التطورات الحديثة، بينما اتجه نائب الرئيس الأمريكي بايدن إلى دولة الإمارات للاجتماع بالقيادة الإماراتية مؤكدا في زيارته على الحرص المشترك على أمن وسلامية الخليج لإيقاف هذا الاصطفاف الذي تقوده السعودية قد يكون أربك المشهد السياسي في واشنطن، ما جعل المدير السابق لاستخبارات البنتاغون يصرح بأن إدارة أوباما تصرفت على نحو غير ناضج برفع العقوبات عن طهران مقابل صفقة ضعيفة، لذلك يرى أن واشنطن بحاجة إلى إعادة التوازن في الشرق الأوسط.

يبدو أن سوريا المفيدة انتقلت إلى رسم معالم سوريا الجديدة خصوصا بعد التسابق بين موسكو وواشنطن على زيادة المطارات العسكرية مما يعتبر مؤشرا على تقسيم سوريا رغم أن البنتاغون ينفي، ولن تستسلم السعودية إلى استراتيجية الولايات المتحدة في إعادة تدريب المعارضة السورية بنهج جديد ، فيما قوات الأسد والإيرانيون يمارسون القضم في اتجاه تدمر ودير الزور، تزامنت تلك الخطوات برفض المعلم مناقشة انتقال السلطة، لكن التطورات الجديدة بعد إسقاط المعارضة طائرة ميج للنظام في ريف حماة بمضادات أرضية ستغير كثير من المعطيات.

 بجانب تصريح علوش كبير المفاوضين الذي قال بأن الأسد إما يرحل أو يقتل، وهي لغة جديدة أتت بعد تمرين رعد الشمال الذي يجعل المنطقة تدخل مرحلة جديدة، كما ترفض السعودية من خلال المعارضة التي تتولاها في رفض خريطتين تثبتان النفوذ الكردي في الشمال، والخطة مدعومة من دول غربية وروسيا، لكن السعودية التي قادت حشود رعد الشمال التي أصبحت لها الكلمة الفصل التي تتحالف مع الدول  المشاركة في حشود رعد الشمال.

 حيث تدرك السعودية أن الفيدرالية التي تدعو لها الخريطتان خطة لتبديد الديموغرافيا السنية، وهي نفس الخطة التي تجري في العراق لضرب الأكراد بالسنة العرب بحجة  حقهم في حصولهم على حق تقرير المصير، فيما مثل هذا الحق ممنوع في أوربا، لمجرد أن تعد المنطقة لصراع القوميات، بين قوميات ذات أغلبية وقوميات ذات أقلية، من أجل دخول المنطقة في شوفينية استعلاء الأغلبية على الأقلية مقابل شوفينية الأقلية القومية في الحفاظ على الوجود.

 حيث تدرك السعودية أن الفيدرالية تقودها دول كبرى قريبة من محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة بشأن سوريا تبحث إمكانية تقسيم الدولة التي مزقتها الحرب تقسيما اتحاديا بحجة أنه يحافظ على وحدتها باعتبارها دولة واحدة، ولكن تجربة العراق ليست غائبة عن السعودية، لذلك هي في الفترة الحالية تسعى التوصل إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية وليس حكومة وحدة وطنية بسبب أن نظام بشار الأسد متهم في عمليات إرهابية.

تلك الخرائط المتناقضة هدفها تبديد الخطر الديموغرافي الذي يمثله العرب السنة على إسرائيل، وتدعم تلك الخرائط المتناقضة روسيا وأمريكا وإيران وإسرائيل، وتستخدم تلك الدول الأكراد رأس الحربة في المطالب الفيدرالية التي مكنتهم روسيا وأمريكا في السيطرة على المنطقة الممتدة على الحدود السورية التركية في أقصى شمال شرقي سوريا المحاذية للحدود العراقية إلى البحر المتوسط بعمق ثلاثين كيلومترا حيث المنفذ البحري الوحيد لتحقيق الحلم الكردي.

 في المقابل تمتد الإدارة العلوية على طول الساحل السوري باتجاه جبال اللاذقية المحاذية لسهل الغاب في حماة، بينما تمتد الدولة السنية على طول ريف حلب الشرقي باتجاه الرقة ودير الزور في شرقي البلاد، ما يعني أن السنة العرب هم الخاسر الوحيد كما في العراق الذي يبلغ عددهم في سوريا نحو 18 مليون سني تعتبرهم إسرائيل خطر وجودي عليها بدلا من وجود إسرائيل خطر على المنطقة.

 لذلك تقف السعودية أمام خطة الفدرلة التي اتفق عليها الغرب بأكمله لصالح إسرائيل، والتي تتقاطع مع مصالح إيران أيضا التي أوكل مهمة إنجازها لبوتين، والتي تلاعبه السعودية على ورقة النفط مقابل تجميد إنتاج النفط في مقابل تخليه عن خطة الفدرلة التي تؤمن لإسرائيل أن تبقى جسما طبيعيا بدلا من بقائها جسما غريبا، أي بقائها في محيط يشبهها، ما جعل المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي مستورا في حديث تلفزيوني يصرح بقوله أن كل السوريين رفضوا تقسيم سوريا ويمكن مناقشة مسلة الاتحادية في المفاوضات، ما يجعل تلك الخرائط ما بين الحلم والواقع.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق