رسالة جديدة من أمريكا لروسيا بعد قصف مطار الشعيرات

يبدو أن روسيا لم تفهم رسالة أميركا التي اتهمت النظام السوري بإدارة محرقة في سجن صيدنايا ترافق مع تشكيك الولايات المتحدة في اتفاق استانة واتهمت روسيا وإيران بدعم فظاعات الأسد رغم أن بوتين استبق جنيف بالتشديد على أولوية تثبيت وقف النار ودافع عن الاتصالات مع الأكراد في سوريا ونفى تسليحهم لتطمين تركيا وضمان تحالفها المستقبلي بديلا عن تحالفها مع الولايات المتحدة التي تصر على تسليح أكراد سوريا وهو ما يزعج تركيا وحاول بوتين كسب ود أردوغان بتعميم المناطق منخفضة التصعيد.

لكن إيران والنظام السوري يمارسان تحركات تثير الولايات المتحدة خصوصا بعد إجراء الأسد محادثات مع رئيس هيئة الحشد الشيعي ومستشار الأمن العراقي فالح الفياض وهو رئيس هيئة الحشد الشعبي المؤلفة من فصائل شيعية عراقية موالية لإيران حول الخطوات العملية والميدانية للتنسيق العسكري على طريق الحدود وهي تصريحات سبق أن أعلنها الخزعلي زعيم أحد أبرز مليشيا في الحشد الشعبي عصائب أهل الحق الذي يتبع ولاية الفقيه وقال بأننا ماضون في مشروع البدر الشيعي بالمنطقة  وأن مليشيات الحشد الشعبي ستلتقي بالمليشيات في سوريا.

إذا كانت إيران هي التي تسببت في نشوء داعش في زمن المالكي الذي سلمهم الموصل كذلك الولايات المتحدة تلعب بورقة داعش، فالهجمات التي تدعمها الولايات المتحدة ضد داعش نتج عنها استرداد أجزاء كبيرة من أراضي العراق خلال عام 2016، وفي نفس الوقت هناك هدف للنظام السوري لقطع الطريق على تواجد لفصائل المعارضة السورية.

 بالفعل تمكنت فصائل شيعية مسلحة من السيطرة على قاعدة جوية من مسلحي تنظيم داعش وهو ما يعطيها موطئ قدم استراتيجي في الصحراء الواقعة بغرب العراق بينما تتقدم نحو الحدود السورية، وفي حين تخوض قوات الأمن العراقية النظامية معارك ضارية ضد داعش داخل الموصل تتقدم الفصائل الشيعية نحو الجنوب الغربي إذ تقع قاعدة سهل سنجار الجوية على بعد 65 كيلو مترا شرقي الحدود السورية، حيث يريد الحشد الشعبي بعد تأهيل القاعدة بأن تصبح قاعدة مهمة لقوات الحشد الشعبي ومهبط للطائرات ونقطة لنقل الأسلحة والمقاتلين بحجة مطاردة مقاتلي داعش في الصحراء المفتوحة تحت شعار قادمون يا نينوى والتي تجري بإسناد طيران الجيش وهي تهدف في الأساس إلى تحرير مناطق القيروان والبعاج.

تهدف هذه المليشيات التي تقدمت من خمسة محاور باتجاه تحرير القرى قبل ناحية القيروان الواقعة في محافظة نينوي وذلك في الوقت الذي تعزز فيه قوات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة السيطرة على منطقة انسحب منها مقاتلو داعش في الآونة الأخيرة، وهو ما جعل المعارضة السورية تنزعج من سيطرة المليشيات التابعة لإيران بلدة السبع بيار الواقعة قرب الطريق الاستراتيجي الرئيسي بين دمشق وبغداد مع سعيهم للحيلولة دون سقوط المناطق التي انسحب منها داعش في يد الجيش السوري الحر.

الهدف الأساسي هو ربط قوات النظام السوري والمليشيات التابعة لإيران في سوريا بفصائل شيعية عراقية تابعة لإيران على الجانب الآخر من الحدود من أجل إدخال الأسلحة الإيرانية إلى سوريا على غرار الأسلحة المتقدمة التي تصل الحوثيين في اليمن لتأخير تحرير اليمن من الحوثيين وعلي عبد الله صالح.

لم تجد الولايات المتحدة سوى وقف هذا السيناريو وهذا التلاقي مما اضطر طيران التحالف بقيادة الولايات المتحدة في 18/5/2017 باستهداف آليات تابعة لقوات النظام السوري جنوب سوريا غرب منطقة التنف في البادية السورية وذلك بعد محاولتها التقدم في الطريق السريعة بين دمشق وبغداد بحجة أن القوات الموالية للحكومة السورية شكلت تهديدا للقوات الأمريكية وشركائها في قاعدة التنف بجنوب سوريا ودمر القافلة المتقدمة.

 واعتبرت الضربة لمطار الشعيرات عقوبة للنظام السوري، بينما هذه الضربة تحمي واشنطن مصالحها في المنطقة، وهي الضربة الأولى من نوعها وهي رسالة للنظام السوري وحلفائها لعدم محاولة التقدم في هذه المنطقة التي تخضع لسيطرة فصائل الجيش السوري الحر ولواء مغاوير الثورة.

 ما جعل الملك عبد الله الثاني ملك الأردن يجتمع مع الرئيس العراقي معصوم في قمة في عمان في 18/5/2017 من أجل تامين الطريق الدولي بين البلدين والإسراع بمد خط النفط بين البلدين يمتد من مدينة البصرة إلى ميناء العقبة وهو خط استراتيجي ومهم للبلدين إلى جانب مواصلة جهود المصالحة الوطنية في العراق بمشاركة جميع مكونات الشعب العراقي، خصوصا وأن هناك حراك داخل العراق بعد مطالبة الصدر بحصر السلاح بيد الدولة بعد طرد داعش حيث التقيا وزير الداخلية والدفاع بالصدر وكذلك بمراجع النجف لطلب الدعم في مواجهة المليشيات التي خرجت عن السيطرة وبدأت تهدد الدول المجاورة وتتدخل في الشأن السياسي العابر للحدود خدمة للمشروع الإيراني وليس لمصلحة العراق.

اعتبرت روسيا أن الضربة هي بمثابة تقويض للعملية السياسية ولا تساهم في توفير ظروف ملائمة للعملية السياسية وللقيام بالمساعي الإنسانية لوقف معاناة السوريين، فيما هناك دفعة أخرى تخرج إلى إدلب وجرابلس وهي الدفعة ال11 المهجرة من حي الوعر تتجه إلى ريف حمص الشمالي، وتحاول روسيا إرضاء تركيا والمعارضة السورية بمناطق تخفيف التوتر في سوريا وهي ترفض دورا دوليا في مناطق التهدئة وتكرر أولوية التصدي للإرهاب، لكن الخلاف بين أمريكا وروسيا أن إيران التي تقاتل الشعب السوري لا يمكن أن تكون إحدى الدول الضامنة في استانة، كما أن الخلاف على ترتيب الأولويات يعرقل مسار جنيف6.

بسبب دعم الولايات المتحدة أكراد سوريا فإن تفاهمات وصفقات تحسم تقارب أنقرة وموسكو في سوريا بعيدا عن واشنطن رغم استمرار الخلاف بين أردوغان وبوتين حول خان شيخون وقوات سوريا الديمقراطية.

النظام السوري قرر تشريد شعبه وتغيير بنيته الديمغرافية بدلا من تغيير نفسه، وجوهر تحركات موسكو كما تتجلى في اتفاق استانة يتبدى في تكريس استانة بديلا عن جنيف لكن ماذا تعمل موسكو مع واشنطن العائدة إلى المنطقة؟.

أصبحت سوريا مسرحا للعمليات العسكرية للدول الإقليمية والدولية وحتى الجهادية، فأنقرة لمحت إلى نشر قوات مراقبة في إدلب لمواجهة التهديدات الأمنية وهي تعلن خطة لإقامة قاعدة عسكرية في الباب.

واشنطن بالتنسيق مع السعودية تخوض معركة الحدود السورية الشرقية لقطع طريق الحرير الإيراني وتحاول تمكين قوات المعارضة التقدم داخل محافظة دير الزور ووقف تقدم قوات النظام والمليشيات الإيرانية التي تسير في معركتين متوازيتين الأولى عبر خط تدمر –السخنة- دير الزور، والثانية عبر القلمون الشرقي من جهة ظاظا والسبع بيار لإعادة فتح طريق دمشق-بغداد عبر معبر التنف الحدودي وتأمين خط الحرير الإيراني من طهران إلى دمشق وهي المنطقة نفسها قرب التنف التي ضاعف فيها التحالف عملياته مما يهدد حكما بتقدم النظام إليها.

هناك قوات أميركية وبريطانية ونرويجية موجودة ضمن قوات التحالف في قاعدة التنف العسكرية تدعم قوات المعارضة التي تنتشر وتمتد من قاعدة التنف وتمتد غربا مسافة 150 كيلو مترا في بادية حميمة الواقعة شرق تدمر كما تنتشر شمالا إلى جنوب شرقي دير الزور قرب حدود منطقة البوكمال لكنها غير قادرة على تغطية هذه المنطقة الجغرافية الشاسعة، وهي تتقدم باتجاه الغرب وصلت إلى ظاظا والسبع بيار التي دخل إليها النظام فجأة الواقعة شمال شرقي القلمون الشرقي من أجل تسهيل العبور إلى معبر التنف، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة خط أحمر لا يمكن أن تسمح بتجاوزه من أجل إعادة فتح خط دمشق-بغداد خصوصا وأنها منطقة شبه فراغ سكاني وشبه خالية من مفهوم السيطرة العسكرية بعدما كان تركيز الأطراف المتحاربة على المدن وترك البادية، لكن الاستراتيجية الإيرانية غيرت من استراتيجية الأطراف المتحاربة.

بعد جولات استانة وجنيف وتطورات الرقة وتدمر تم خلط الأوراق الذي طهر شئ جديد في الأفق وهو خط الحرير الإيراني الذي يمتد من قم إلى بغداد وشمال الموصل وصولا الأراضي السورية، كان في السابق جنوب محافظة حلب قبل أن يتمكن النظام من قلب المعادلة حول دمشق مما دفعه للتفكير بفتح طريق دمشق بغداد عبر التنف وهي أقرب من الخط الأول.

لذلك اندفع الحشد الشعبي باتجاه البعاج والقيروان العراقيتين والثاني باندفاع النظام السوري المدعوم بحزب الله والمليشيات الإيرانية إلى السبع بيار وظاظا أملا بالوصول إلى التنف.

الجميع يفكر بتحقيق مكاسب، فالأمريكيون يركزون على الرقة من أجل السيطرة على مجرى الفرات الممتد من الطبقة في الشمال حتى مدينة الميادين والبوكمال في الشرق، لذلك هم وجدوا شريكا استراتيجيا مقاتلا شرسا هو مليشيات سوريا الديمقراطية وهو ما يزعج تركيا.

شرق سوريا بالكامل لقوات التحالف بقيادة أمريكا وهي تفصل المناطق بقوات تدعمها الأكراد في الشمال الشرقي والجيش السوري الحر في الجنوب الشرقي لقطع طريق الحرير بالكامل من أي جهة كانت خصوصا بعد انسحاب داعش من المناطق الواسعة المتقابلة على الحدود الأردنية العراقية المتخمة للحدود السورية الأمر الذي اعتبره الأردن والسعودية تهديدا مباشرا ويجب أن تملأه المعارضة السورية ولكنها بحاجة إلى دعم عسكري من قبل قوات التحالف في مواجهة النظام السوري ومليشيات إيران.

 وفي نفس الوقت وقف تدفق الأسلحة للنظام السوري التي ظلت تتدفق خلال الفترة الماضية إلى النظام السوري وحزب الله وبقية المليشيات المتواجدة في سوريا، وهو ما فرض على حزب الله اللبناني أن يعيد تموضعه على الحدود السورية رغم إعلانه الانسحاب وهو في حالة حرج كيف يعزز خطوط إمداده لنقل السلاح والمقاتلين،  خصوصا وأن قواته بدأت تتعرض لضربات إسرائيلية والآن قد تتعرض لضربات من التحالف وقد تتعرض لضربات من الأردن إذا انضم إلى مليشيات الحشد الشعبي التي تهدد المنطقة بحجة طرد داعش أو مطاردته في البادية السورية مع الحدود الأردنية، خصوصا وأن روسيا لا تحمي سوى مصالحها ولن تحمي لا النظام السوري ولا الإيراني ومليشياته وتركت حزب الله عرضة للضربات الجوية الإسرائيلية والآن النظام السوري ومليشيات إيران عرضة للضربات الأمريكية رغم استنكارها كعادة الدول الكبرى.

يبدو أن سوريا ستنقسم بين روسيا من قاعدة حميميم وإلى حماة وحمص والساحل باتجاه اللاذقية وطرطوس وهي المناطق التي تقع فيها مناطق خفض التوتر الأربع والتي من المتوقع أن يتوقف فيها القتال، لذلك يحاول الإيرانيون التمدد جنوبا من جوار حمص إلى القلمون ودمشق باتجاه الحدود الأردنية من أجل التلاقي مع حلفائهم في العراق ولم يحسبوا حساب تلك الضربة التي تلقوها من الولايات المتحدة لأنهم أغفلوا بأن هناك تقارب جديد بين الولايات المتحدة والسعودية.

 فلن ترضى الدولتان أن يتحقق المخطط الإيراني الذي يهدد مصالح أمريكا والمصالح العربية، أي أن سوريا تحولت إلى خرائط على الأرض، والفترة المقبلة ستشهد مواجهة شاملة مع إيران ومليشياتها، ولكن حتى الآن لم يتضح أن تتخلى روسيا عن النظام السوري، ولكن هل تتخلى روسيا عن إيران؟ قد يكون هو الأقرب.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق