رئيسي وروحاني: أيهما أقرب لرئاسة بيت العنكبوت؟

أيام معدودة ويُسدَل الستار وتبدأ الانتخابات في جمهورية إيران الإسلامية، إلا أن ما يثير الاهتمام قبيل هذه الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في مايو/أيار المقبل، هو الإعلان عن تأسيس جبهة سياسية جديدة للقوى الأصولية والمتشددة، والتي سميت بـ «جمنا» -أي الجبهة الشعبية للقوى الثورية الإسلامية-. هذا الإعلان شطر الشارع السياسي الإيراني إلى قسمين، وفعلاً احتدم الصراع بين أقطاب النظام التي عادة ما تتخندق تحت مسميات كثيرة، أهمها: التيار الأصولي، والتيار الإصلاحي الذي بات يعرف بعد مجيء الرئيس حسن روحاني بـ «التيار المعتدل». والأنكى من ذلك، أن الرئيس السابق المثير للجدل، والمتهور والمنفلت عادةً، أحمدي نجاد، قرّر خوض هذه المسرحية -أي الانتخابات الرئاسية-، وهو ما خطف الأضواء وعكّر المياه على بيت المرشد وحرسه الثوري وعموم التيار الأصولي الراغب بهندسة الانتخابات وتنصيب إبراهيم رئيسي، مدعي عام إيران السابق ورئيس لجنة الموت في الثمانينيات من القرن المنصرم، رئيساً للبلاد.

وفي هذا السياق، تزامن الإعلان عن تأسيس الجبهة الشعبية للقوى الثورية الإسلامية في إيران، مع الكشف عن جملة من الإشكاليات، إلا أن هذه الجبهة في إعلانها هذا سمّت هذه الإشكاليات بالأهداف، وتنوي في حال فاز مرشحها بمنصب رئاسة الجمهورية تحقيقها. ومن هذه الأهداف:

  • «تعزيز وتعميق الخطاب الثوري الإسلامي والسعي لترسيخ الأفكار الخمينية، ولا سيما آراء وتطلعات المرشد علي خامنئي، هذا أولاً.
  • وأمّا ثانياً: إيجاد أرضية مناسبة لتسهيل حضور المواطنين ومشاركتهم في إدارة البلاد.
  • ثالثاً: معرفة مواطن الضعف وأوجه القصور في النظام الإداري والتنفيذي للدولة والعمل على رفعها وإصلاحها.
  • رابعاً: السعي لرفع الفقر والفساد والتمييز وتحقيق العدالة والحفاظ على المصالح الوطنية.
  • خامساً: المساعدة على خلق وحدة وطنية ورفع الإحساس بالأمل والمستقبل».

وفي واقع الأمر، إذا تعمقنا في طبيعة هذه الأهداف نجدها في غاية من الأهمية، وتُبيِّن لنا بوضوح حجم الأزمات وكثرة الإشكاليات التي تعاني منها الدولة والمجتمع الإيراني، جراء السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في إيران في العقود الأربعة المنصرمة من عمر الجمهورية الإسلامية.

كما أننا نستشف أن الحديث عن هكذا إشكاليات في مثل هذا الظرف، إنما يأتي نتيجة حتمية لحجم الفساد الإداري والاقتصادي المستشري في جسم الدولة، خصوصاً تلك الملفات المتعلقة باختلاس الأموال العامة من قِبَل كبار قادة النظام، وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطن الإيراني، واحتمالية إفلاس الدولة ومؤسساتها، لاسيما الصراع القومي والأمني الذي أحدثه النظام الحاكم في إيران وخارجها.

وبالعودة لطبيعة المشهد السياسي الإيراني، بالإضافة لبعض الشخصيات السياسية المحسوبة على النظام في طهران، هناك ثلاثة مجموعات سياسية من المفترض أن تتنافس على منصب رئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في التاسع عشر من شهر مايو المقبل، إلا أننا من الضروري بمكان أن نشير إلى حقيقة مفادها أن طبيعة النظام السياسي –الثيوفارسي– في إيران ممتنع كلياً عن قبول الأخر، إن كان سياسياً أو قومياً.

فهذا النظام يتحكّم بالحياة السياسية من رأس السلطة، ولا يخضع أبداً لرغبات الجماهير. وفي نفس الوقت، هذا لا يعني أبداً أن المرشد علي خامنئي هو الآمر والناهي الوحيد في البلاد، إنما يخصع المرشد بالضرورة لعدة اعتبارات ضمن مؤسسات الدولة، والتي تأخذ في الحسبان سلامة النظام الشيعي/الفارسي واستمرايته. وبالتالي، فإن هذه التيارات والأجنحة السياسية هي بالضرورة تابعة كلياً للنظام الحاكم، كما أنها بالأصل تكتلات بشرية دينية-اقتصادية تبحث عن مصالحها، وذلك من خلال الدور السياسي الذي تؤديه هذه المجاميع في خدمة للنظام الحاكم في طهران.

وأما التيارات الفاعلة في هذه الانتخابات:

التيار الأصولي، الذي يضم في طياته كافة القوى المتشددة والتي تدين بالولاء لنظام الولي الفقيه والمرشد علي خامنئي والمدعومة من قبل الحرس الثوري، إلا أنه في الأيام الماضية أعلنت هذه القوى الأصولية عن تأسيس جبهة جديدة شملت كافة الأطياف المحسوبة على هذا التيار. والترتيبات التي حصلت داخل أروقة هذه الجبهة بعدما رشّح عدد من رموزه أنفسهم لخوض الانتخابات الرئاسية وموافقتهم على شروط مجلس أمناء هذه الجبهة، والتي تفضي بالضرورة ترشيح أحدهم بناءً على ما يراه هذا المجلس مناسباً للمرحلة الراهنة من عمر النظام في طهران. وبذلك قد شرعنت هذه الجبهة مسرحية ترشيح إبراهيم رئيسي ليكون المرشح الوحيد للقوى الأصولية العازمة والمتلازمة هذه المرة لمنصب رئيس الجمهورية من جهة ومرشحاً للشعوب القاطنة في جغرافية إيران السياسية والمغلوب على أمرها من جهة ثانية.

ومن أهم مرتكزات هذا التيار:

  • تبني السياسات القائمة منذ انتصار الثورة في الداخل الإيراني والمحافظة عليها.
  • ضرورة تنفيذ القيم التقليدية الثورية في كافة المجالات الاجتماعية والثقافية واستمرارها، خاصة بعد ما عزف الشباب الإيراني عن هذه المفاهيم والقيم.
  • تعزيز مكانة جمهورية إيران الإسلامية في المنطقة، خصوصاً بعدما انكشف زيفها في العراق وبلاد الشام واليمن.
  • اعتماد السياسات الاقتصادية التي أعلن عنها المرشد والتي عُرِفت بـ “الاقتصاد المقاوم”، لتحسين الوضع المعيشي للمواطن الإيراني المتدهور أصلاً.

 

التيار الإصلاحي، هذا التيار فقد بريقه كلياً بعد أحداث عام 2009، إلا أنه بعد مجيء الرئيس حسن روحاني بات يعرف بالتيار المعتدل. ومن أهم الأهداف السياسية التي يسعى لتحقيقها:

  • الحفاظ على المكتسبات التي تحققت في المفاوضات النووية وضرورة استمرارية الاتفاق النووي مع الغرب.
  • تحسين العلاقة مع الغرب.
  • تحسين الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني في الداخل الإيراني.

تيار الربيع، والذي يتزعمه محمود أحمدي نجاد وعدد من المقربين له. وبالرغم من مناصرة الطبقات الفقيرة من المجتمع الإيراني لأحمدي نجاد، إلا أن الأصوليين والمتشددين يعتبرونه تياراً انحرافياً. ومن جانب آخر، وبما أن المرشد الإيراني لم يكن راغباً بترشّح أحمدي نجاد لخوض السباق الرئاسي، قد يتم استبعاد هذا التيار ومرشّحه كلياً من الانتخابات الرئاسية. لكن الإشكالية التي تواجه مجلس صيانة الدستور المكلّف بالبتّ بأهلية المرشحين، أنه في حال أراد استبعاد أحمدي نجاد، فإنه سيواجه المكانة السياسية لنجاد، والمتمثلة بكونه رئيساً سابقاً للبلاد، وسبق وأن قال عنه المرشد علي خامنئي في أكثر من مناسبة، أن السياسات الداخلية والخارجية لأحمدي نجاد أقرب له من سياسات هاشمي رفسنجاني.

ويبدو في ظل هذه التجاذبات السياسية، أنه من الصعب بمكان أن نتوقع من هو الرئيس الثامن المحتمل لجمورية إيران الإسلامية، إلا أن حلبة التنافس على منصب رئاسة الجمهورية سوف تنحصر بين التيار الذي يُعرِّف عن نفسه بـ “المعتدل” ومرشّحه حسن روحاني الرئيس الحالي، والتيار الأصولي ومرشّحه إبراهيم رئيسي الذي أسماه معارضو النظام في الخارج والداخل بـ “آية الله الإبادة الجماعية”.

جمال عبيدي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق