دي ميستورا في دمشق.. والمهمة شبه مستحيلة

ورث الإيطالي ستيفان دي ميستورا، مهمة يعتبرها كثيرون شبه مستحيلة، فقد تسلّم دي ميستورا ثالث مبعوث أممي إلى سورية، مهامه بعد استقالة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية الأخضر الإبراهيمي لأسباب متشابهة، في مقدمتها تعنّت نظام بشار الأسد وعدم قبوله بالحلول السياسية. وسبق لـ دي ميستورا أن عمل نائباً لوزير الخارجية في إيطاليا، كما عمل في الأمم المتحدة لأكثر من ثلاثة عقود ويتمتع بخبرة كبيرة في العمل في مناطق النزاع. وقد عمل مبعوثاً للأمم المتحدة في العراق بين عامي 2007 و2009، كما عمل مبعوثاً دولياً إلى أفغانستان بين عامي 2010 و2011، كما شغل مناصب تابعة للأمم المتحدة في الصومال والسودان والبلقان.

وصل ستيفان دي ميستورا الموفد الأممي لـسورية يوم السبت 7 أكتوبر 2014 إلى دمشق للبحث مع المسؤولين السوريين في “خطة تحرك” لحل الأزمة المستمرة منذ نحو أربع سنوات، والزيارة هي الثانية إلى سورية منذ تكليفه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بمهمته في تموز الماضي، وكان دي ميستورا شدّد في مؤتمر صحافي عقده في دمشق إثر لقائه الرئيس بشار الاسد في أيلول، على ضرورة مواجهة “المجموعات الإرهابية”، على أن يترافق ذلك مع حلول سياسية “جامعة” للأزمة السورية، وأعلن أنّ أولوياته لحل الأزمة هي “مكافحة الإرهاب، والمصالحات الداخلية والحوار”.

وسبق وأن قدّم مبعوث الأمم المتحدة في 31 تشرين الأول إلى مجلس الأمن الدولي “خطة تحرك” في شأن الوضع في سورية، تقضي “بتجميد” القتال في بعض المناطق للسماح بنقل مساعدات والتمهيد لمفاوضات، وكان اقتراح دي ميستورا لمجلس الأمن قد جاء بعد زيارتين قام بهما إلى روسيا وإيران اللتين تدعمان النظام السوري، وسبقتهما زيارة إلى دمشق.

وقالت مصادر أممية نقلاً عن صحيفة “الوطن” إن دي مستورا سيلتقي في الزيارة الحالية الرئيس السوري بشار الأسد، لطرح مبادرته المتعلقة بتحديد «مناطق مجمّدة»، خاصة في حلب. ولم يكشف دي مستورا بعد عن آليات تطبيق المقترح، وترمي هذه الخطة إلى السماح بتوصيل المساعدات الإنسانية والطبية للسكان في تلك المناطق، التي تضررت كثيراً من المعارك وأعمال العنف، ولم تعلّق دمشق رسمياً على خطة دي مستورا، ولكن مصادر قريبة من النظام أفادت بأن “الحكومة تنتظر المزيد من التوضيحات، بشأن فعالية الخطة لحقن الدماء”.

وقد سبق أن أكد السفير السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري أن حكومته مستعدة للنظر في اقتراح دي ميستورا، لكنها تنتظر تفاصيل إضافية، وكانت صحيفة “الوطن” السورية القريبة من السلطات انتقدت مبعوث الامم المتحدة بعد يومين من تقديمه الاقتراح، معتبرة أنّه “بدا ضائعاً في تصريحاته التي ربما خضعت لضغوط دولية تتحدث منذ أسابيع عن إقامة مناطق عازلة أو آمنة فوق التراب السوري”. فيما اعتبرت صحيفة “الثورة” السورية الحكومية الصادرة أمس زيارة دي ميستورا الحالية أساسية “بعد جولة مكوكية قادته إلى أغلب العواصم الإقليمية والدولية”، لكنها أشارت إلى أنّ تعبير “المناطق المجمّدة” يحتمل الكثير من التفسيرات، واصفةً إياه بـ “الفضفاض”، وأضافت “الثورة” السبت أن المبعوث الأممي “يشاطرنا الموقف كما نشاطره الرؤية في كثير مما قدمه، لكن في قضية المسلمات والبديهيات نجد افتراقاً لا حاجة له ولا نرغب في حصوله وتحديداً أولية محاربة الإرهاب وبديهية رفض مصطلح المناطق بغض النظر عمّا يليه من توصيف”, وترفض سورية إقامة منطقة عازلة أو آمنة على أراضيها، وهو اقتراح تطالب به تركيا، معتبرة أن هذا الأمر يطعن في سيادتها، ويوفر ملاذا آمنا للمعارضين الذين يقاتلون القوات الحكومية، أما صحيفة «الوطن» الموالية للحكومة فاعتبرت أن «الخطة لا تتوافق مع منطق المصالحات الوطنية التي تعمل دمشق على إنضاجها لحل الأزمة في البلاد».

الأمم المتحدة رغم ما خلفته المأساة السورية من قتل وتدمير وتهجير، بلغت جرائم ضد الإنسانية، ما زالت تعتقد بأن الحل في سورية لن يكون إلا سياسياً، ورغم مساندتها للتحالف الدولي ضد الإرهاب إلا أنها بدت منشغلة أيضاً بانطلاق عمل دي مستورا والدفع باتجاه عملية سياسية لإنهاء الأزمة، مع الاقتناع بضرورة أن يترافق أي عمل عسكري بعمل سياسي ينهي الأزمة في سورية.

مهمة دي مستورا بدأت بجولة استطلاعية وزيارة عواصم إقليمية، وكلمات مقتضبة بعد انتهاء كل لقاء “الأجواء كانت مفيدة”، والسؤال المطروح يتكرّر، طالما بدايات وانطباعات المبعوث الجديد جاءت نسخة مكرّرة من بدايات وانطباعات المبعوثين السابقين، فهل ينجح دي مستورا فيما فشل فيه عنان والإبراهيمي؟

عبد الكريم عنكير

كاتب وابحث سوري

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق