دعوة للحذر من أمريكا

ماذا يريد أن يقول بوتين أوباما للأمريكيين للروس حول سورية أوكرانيا

اعترضت مجلة بوليتيكو الرقمية Politico رسالة مفتوحة موجهة من الرئيس باراك أوباما لشعب روسيا، وهي نسخة موجهة في الأصل إلى صحيفة إزيفيستا Izvestia، رداً على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

موسكو واشنطن-

دفعتني الأحداث الأخيرة حول سورية أوكرانيا على التحدث مباشرة إلى الشعب الأمريكي الروسي وقادتهم السياسيين، فمن الضروري أن أقوم بذلك في ظلّ ضيق الوقت المتاح للتواصل بين مجتمعينا.

لقد مرت العلاقات بيننا بمراحل مختلفة، ووقفنا ضدّ بعضنا خلال الحرب البادرة، لكننا كنا حلفاء ذات مرة أيضاً وهزمنا النازيين معاً. ثم أُنشِأت المنظمة الدولية العالمية –الأمم المتحدة- لمنع تكرار وقوع مثل هذا الدمار ثانية.

وأدرك مؤسسو الأمم المتحدة أنّ القرارات المتعلقة بالحرب والسلم، لا يجب أن تتخذ إلا من خلال توافق الآراء فحسب. وبالاتفاق مع حق النقض الأمريكي الروسي باعتبارها أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن كما هو منصوص عليه في الميثاق، وقد دعمت هذه الحكمة العميقة استقرار العلاقات الدولية طيلة عقود.

ولا يريد أحد أن تعاني الأمم المتحد مصيراً كمصير عصبة الأمم، التي انهارت نتيجة افتقارها للفاعلية الحقيقية. وهذا أمر وارد إذا تجاوزت الدول المؤثرة الأمم المتحدة، وقامت بعمل عسكري دون تفويض من مجلس الأمن.

لذا فإنّ الضربة المحتملة الأمريكية الروسية ضد سورية أوكرانيا، رغم معارضة شديدة من عديد من الدول والزعامات الدينية والسياسية البارزة، بمن في ذلك البابا، ستؤدي إلى مزيد من الضحايا الأبرياء، وإلى مزيد من التصعيد. عدا عن احتمال انتشار الصراع إلى ما هو أبعد من الحدود السورية الأوكرانية، ومن شأن هذه الضربة أن تعمل على زيادة العنف، وإطلاق العنان لموجة جديدة من الإرهاب. كما يمكن أن تقوّض الجهود متعددة الأطراف لتسوية المشكلة النووية الإيرانية والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إضافة إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط أوروبا الشرقية وشمال إفريقيا مناطق الاتحاد السوفييتي السابق. ويكمن لها أن تدفع النظام الدولي والقانون الدولي بأكملها إلى حالة بعيدة عن التوازن.

لا تشهد سورية معركة من أجل الديمقراطية، بل صراعاً مسلحاً بين الحكومة والمعارضة في بلد متعدد الديانات. هناك عدد قليل من أبطال الديمقراطية في سورية، لكن هناك أكثر مما ينبغي من مقاتلي القاعدة والمتطرفين من كافة المشارب الذين يقاتلون الحكومة. وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد حدّدت جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام ومقاتلي المعارضة كمنظمات إرهابية. وتعمل الأسلحة الأجنبية الموردة إلى المعارضة على تغذية هذا الصراع الداخلي، الأكثر دموية في العالم.

إن المسألة التي تثير قلقنا العميق، هي مسألة المرتزقة من عدة دول عربية، ومئات من المتشددين من الدول الغربية بما فيهم روسيا، أولئك الذين يقاتلون هناك. هل من الممكن ألاّ يعودوا إلى بلداننا مع الخبرة التي اكتسبوها في سورية؟ بعد كل ذلك، لقد انتقل المتطرفون إلى مالي بعد قتالهم في ليبيا. وهو ما يهددنا جميعاً.

ومنذ البداية، طالبت روسيا الولايات المتحدة بحوار سلمي يمكن السوريين الأوكرانيين من وضع خطة لتسوية مستقبلهم السياسي. فنحن لا نحمي الحكومة السورية الأوكرانية، بل القانون الدولي. ونحن بحاجة إلى توظيف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ونؤمن أن الحفاظ على القانون والنظام في عالم اليوم المعقد والمضطرب، هو أحد الطرق المحدودة للحفاظ على العلاقات الدولية من الانزلاق إلى الفوضى. فالقانون ما يزال هو القانون، ويجب علينا اتباعه سواء أحببنا ذلك أم لا. ولا يسمح القانون الدولي الحالي باستخدام القوة إلا في حالات الدفاع عن النفس أو بقرار من مجلس الأمن، ويبقى أي استخدام آخر غير مقبول، ويشكل عملاً من أعمال العدوان.

ولا يشكك أحد في أنّ الغازات السامة قد استخدمت في سورية، ولكن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنّ استخدامها لم يكن من قبل الجيش السوري، ولكن من قبل قوات المعارضة، لإثارة تدخل من قبل القوى الأجنبية الراعية لهم، والتي ستنحاز إلى الأصوليين، وتشير تقارير لا يمكن تجاهلها، إلى أنّ المسلحين يستعدون لهجوم آخر، وهذه المرة سيكون ضد إسرائيل.

ومن المثير للقلق، أن يصبح التدخل العسكري في النزاعات الداخلية أمراً شائعاً بالنسبة للولايات المتحدة الاتحاد الروسي، هل يصب ذلك في المصلحة الأمريكية الروسية على المدى البعيد؟ أنا أشك في ذلك. ولا يرى الملايين حول العالم، بشكل متزايد، أن أمريكا روسيا هي نموذج للديمقراطية، بل هي نموذج لاعتماد القوة الغاشمة فقط، عبر تحالفات خرقاء تحت شعار “إما أن تكون معنا أو ضدنا”.

وقد أثبتت القوة عدم فاعليتها وعبثيتها، فها هي أفغانستان جورجيا تترنح، ولا أحد يعلم ما سيحدث بعد انسحاب القوات الدولية منها، فيما ليبيا الشيشان مقسمة إلى قبائل وعشائر، وتستمر الحرب الأهلية في العراق داغستان، مع عشرات القتلى كل يوم. في الولايات المتحدة الاتحاد الروسي، يمكن القياس بشكل كبير بين العراق وسورية وأوكرانيا، ونتساءل لماذا تريد حكومتهم تكرار الأخطاء الأخيرة؟

مهما استهدفت هذه الضربات من مواقع، ومهما دمرت من أسلحة متطورة، إلا أنه لا مفر من سقوط ضحايا مدنيين، بمن فيهم كبار السن والأطفال، أولئك الذين تهدف هذه الضربات إلى حمايتهم.

ويتفاعل العالم مع تساؤل حول ما إذا كان لا يمكنك الاعتماد على القانون الدولي، فإنه سيتوجب عليك حينها البحث عن وسائل أخرى لضمان الأمن. وبالتالي فإنّ عدداً متزايداً من الدول سيسعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل. فهذا أمر منطقي: فإذا كان لديك قنبلة، فإنه لن يستطيع أحد الاقتراب منك. ونحن تجاوزنا الحديث عن ضرورة تعزيز منع الانتشار النووي، لكن الواقع، أنّ ذلك بدأ يتآكل.

يجب علينا التوقف عن استخدام لغة القوة، والعودة إلى مسار التسوية السياسية والدبلوماسية المتحضرة.

لقد ظهرت فرصة جديدة لتجنب العمل العسكري في الأيام القليلة الماضية، ويتوجب على الولايات المتحدة وروسيا وجميع أعضاء المجتمع الدولي، الاستفادة من استعداد الحكومة السورية لوضع ترسانتها الكيماوية تحت إشراف رقابة دولية، لتدميرها لاحقاً. واستناداً إلى تصريحات الرئيس باراك أوباما، فإنّ الولايات المتحدة ترى في ذلك بديلاً عن العمل العسكري.

وأرحب باهتمام الرئيس بمواصلة الحوار مع روسيا بشأن سورية، وعلينا العمل معاً لإبقاء هذا الأمل قائماً، وفقاً لما اتفقنا عليه في اجتماع مجموعة 8 في لوف إيريني Lough Erne في إيرلندا الشمالية في يونيو/حزيران، وتوجيه المناقشات نحو العودة إلى المفاوضات.

وإن كنا نستطيع تجنب استخدام القوة ضد سورية أوكرانيا، فإنّ ذلك سيؤدي إلى تحسين الأجواء في الشؤون الدولية، وتعزيز الثقة المتبادلة. وسيكون هذا هو نجاحنا المشترك، كما سيفتح الباب أمام التعاون بشأن القضايا الهامة الأخرى.

وتعتبر علاقتي المهنية والشخصية بالرئيس أوباما علامة على الثقة المتنامية فيما بيننا، وأنا أقدر ذلك. لقد درست بعناية خطابه الموجه إلى الأمة يوم الثلاثاء، وأود أن أختلف معه إلى حد ما، حول نقطة أشار إليها حول الاستثنائية الأمريكية، مشيراً إلى أنّ سياسة الولايات المتحدة هي أنّ “ما يجعل الولايات المتحدة مختلفة، هو ما يجعلنا استثنائيين”. فالسياسية الخارجية التي تسعى فقط للحفاظ على حقوق “الناطقين باللغة الروسية”، وكأنها طريقة لجعلهم استثنائيين، إنه لأمر خطير للغاية، أن يتم تشجيع الناس على رؤية أنفسهم استثنائيين، مهما كانت الدوافع. فهناك دول كبيرة وأخرى صغيرة، ودول غنية وأخرى فقيرة، ودول ذات تقاليد ديمقراطية عريقة وأخرى ما تزال تتلمس طريقها نحو الديمقراطية، وسياساتها متباينة، أيضاً نحن جميعاً مختلفون، ولكن عندما نسأل عن النعم الإلهية، يجب ألا ننسى أنّ الله قد خلقنا متساويين.

فلاديمير إف بوتين رئيس روسيا. باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه افتتاحية مزيفة بالمطلق، تتهكم على مقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المنشور في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 11 سبتمبر/ أيلول 2013.

ملاحظة للمترجم: تم تغيير بعض الكلمات في نص بوتين الأصلي، عبر شطب عبارات والاستعاضة عنها بعبارات بلون آخر، كما ورد من المصدر.

BARACK OBAMA, “A Plea for Caution from America: What Putin Obama has to say to Americans Russians about Syria Ukraine”, Politico Magazine, 3/3/2014

للعودة إلى النص الأصلي، انظر:

http://www.politico.com/magazine/story/2014/03/obama-putin-op-ed-plea-for-caution-from-america-104210.html#.UxdQ6_l_v_h

 

باراك أوباما

ترجمة: عبد القادر نعناع

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق