تزايد الإجهاض في إيران بسبب السياسات الخاطئة للنظام

تسعى الحكومة الإيرانية يوميا من خلال إيجاد قوانين مختلفة لفرض سيطرتها بشكل أكبر على الشعب، وقد استخدمت عدة طرق وأساليب متنوعة خلال فترة توليها الحكم في إيران منذ عام 1979، مثل غسل عقول الأطفال في مراحلهم الإبتدائية، وكذلك حذف بعض الدروس في الجامعات مثل تلك المتعلقة بتنظيم الأسرة، والفصل بين الجنسين، والرقابة المشددة على جميع الفعاليات الاجتماعية والثقافية والفنية، وإقصاء كل ما لا يوافق خطط الحكومة من الأفلام والمسلسلات والكتب.

والسؤال هنا، لماذا مع وجود كل هذه القيود التي فرضها القادة الإيرانيون على الشعب وخاصة على النساء والفتيات، مازالت لا تدور في الإتجاه التي تريده الحكومية الإيرانية، إذ أنه وفقا للإرقام الإيرانية الرسمية التي قامت منظمة الطب الشرعي بنشرها، فإن هناك زيادة بنسبة 8% في معدلات إسقاط الأجنة في العاصمة طهران، والأدهى من ذلك أن الجزء الأكبر من إسقاط الأجنة يتم بشكل غير قانوني وتحت الأرض، ولا يكون للحكومة أدنى رقابة على ذلك.

إحصائيات الإجهاض في إيران:

وفقا للإحصائيات الرسمية، في العام الماضي كان هناك 120 ألف حالة إسقاط جنين جرت بطرق غير قانونية في إيران، وفي عام 2014 وصل هذا الرقم إلى 220 ألف حالة، كان منها حسب كلام الأزواج 100 ألف حالة لأسباب طبية، و120 ألف حالة جرت بطريقة غير قانونية، بينما تم إصدار تراخيص طبية قانونية لما يقارب 7 آلاف حالة فقط.

ويوجد حاليا في إيران أكثر من 11 مليون شاب بين ذكر وأنثى وصلوا سن الزواج، والعدد الأكبر منهم أوشكوا على تخطي العمر المناسب للزواج والإنجاب، لأن الظروف الاقتصادية السيئة بسبب السياسات الخاطئة للنظام الإيراني، وارتفاع التطلعات الأسرية بسبب المنافسة، والتأثر بالمسلسلات التركية، والتكاليف العالية للزواج وتكوين الأسرة، جميها لم تسمح للشباب الإيراني بالزواج وتكوين الأسر في سن الزواج المناسب.

ووفقا لوزارة الصحة الإيرانية، فإن 6 آلاف حالة إجهاض سنويا تتم في طهران بصورة قانونية، وتشير أحدث الإحصاءات أن أغلب الذين يطلبون إسقاط الجنين هن فتيات شابة لا تعلم أسرهن أي شيء عن علاقاتهن الجنسية، ووفق هذا التقرير فإن معدل الإجهاض غير القانوني هو 40 ضعف حالات الإجهاض القانونية والمسجلة، وأن ما يزيد عن 250 ألف حالة إجهاض تتم سنويا في إيران بطريقة غير قانونية.

ففي محافظة كرمان فقط والتي تعتبر من المدن التقليدية الإيرانية، ووفقا لتصريحات المدير العام للطب الشرعي في هذه المدينة، فإن أعداد المراجعين لمراكز الطب الشرعي في عام 2013 تزايدت بمعدل 75% مقارنة بالعام 2012، وكانت أغلب حالات الإجهاض هذه قد جرت بين الفئات العمرية ما بين 21 حتى 30 عاما.

ووفقا لأحدث المقابلات الشخصية التي تمت مع الأشخاص الذين قاموا بعمليات إجهاض في إيران، فإن تكلفة هذه العملية كانت ما بين 400 ألف تومان إلى 3 مليون و500 ألف تومان، والأدهى من ذلك أنه على النساء الإيرانيات اللواتي يردن إسقاط الجنين أن يثقن بأشخاص مجهولين ويجبرن على أخذ أدوية وحق غير معروفة بالنسبة لهن، لأنه من الممكن أن يعرضن حياتهن للخطر في أي لحظة، ويقال أن هناك حقن معروفة بـ “الحقن الهندية” تباع في أسواق التهريب بسعر 30 إلى 200 ألف تومان للذين يرغبون بإسقاط الجنين، وتكون هذه الأدوية والحقن في بعض الأحيان فاسدة أو غير مطابقة للمعايير الطبية، وتباع في الأسواق من قبل غير المختصين، مما يؤدي أحيانا إلى موت الأمهات.

وتقول وكالة “إيسنا” في تقرير لها عن سماسرة ودلالين هذه الأدوية، أن هؤلاء يحصلون على مبالغ مالية تتراوح ما بين 300 إلى 600 ألف تومان مقابل إرشاد الأسر التي تريد إسقاط الجنين إلى أماكن بيع هذه الأدوية والحقن في أسواق التهريب، وما يجبر هذه الأسر على إسقاط الجنين هو الخوف من الولادة والقلق من الوضع الاقتصادي المتردي وما يترتب على تربية الأبناء من تبعات مالية.

الضغوط الاقتصادية هي أهم عوامل الإجهاض في إيران:

 وفقا للعديد من الخبراء الاجتماعيين، فإن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المفروضة على إيران، دفع بعض الأزواج القانونيين أيضا أن يفضلوا إسقاط الجنين على إنجابه وتربيته، فإنعدام فرص العمل بالنسبة للشباب وخاصة الأسر واحدة من التحديات التي تضاعفت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، وأدت إلى أن تصرف الأسر النظر عن إنجاب الأطفال وتحمل تكاليف تربيتهم، ومن المحتمل أيضا أن تكون المشاكل الاجتماعية العديدة مثل الإدمان لدى البعض مانع آخر لإنجاب الأطفال.

ووفقا للعديد من الدراسات التي أعدت حول موضوع الإجهاض في إيران، فإن نسبة صغيرة من الذين يسقطون الجنين يقومون بهذا العمل لأسباب طبية تتعلق بصحة الأم أو الطفل، وقد ذكرت وكالة أنباء طلاب إيران “إيسنا” أن نتائج المؤسسات الحكومية الإيرانية تشير إلى أن الحمل غير المرغوب، هو أكثر أسباب الإجهاض المتعمد شيوعا في إيران، والمشكلات المالية والاقتصادية هي من أهم أسباب هروب الأسر الإيرانية من إنجاب الأطفال وتربيتهم، لذا يلجأون إلى التخلص منهم عن طريق الإجهاض المتعمد.

وتتم العديد من حالات الإجهاض في إيران لأسباب ثقافية، منها ضغوطات الأسر، والخوف من الفضيحة الفتيات اللاتي أقمن علاقة جنسية خارج الأطر القانونية ودون علم أسرهن، أو حملن أثناء فترة الخطوبة، أو بسبب الزنا أو الاغتصاب، فيجبرن على إسقاط الجنين هربا من الواقع المؤلم الذي سيلم بهن، وخاصة بعد تخلي أسرهن وشريكهن الجنسي عنهن، ولهذا السبب يكون أغلب الراغبين بسقط الجنين هن الفتيات، بينما في الزواج القانوني يكون الزوج هو الراغب في إسقاط الجنين بسبب خوفه من التبعايت المالية المترتبة على تربية الطفل.

ويعتبر الخبراء أن هناك عدة أسباب أخرى للإجهاض في إيران، منها الخلافات بين الزوجين، وظاهرة هروب الأطفال، والخوف من الإنجاب في حالة وجود مشاكل قانونية على الزوج مثل السجن.

بشكل عام فإن الإجهاض في إيران يتم بطرق غير قانونية، باستثناء الحالات التي صرح بها مجلس الشورى الإسلامي، في قانون 1384، والتي يجوز فيها إسقاط الجنين في حالة تبين أن استمرار هذا الحمل سيؤدي إلى ضرر الجنين والأم معا، ويسمى في هذه الحالة “الإجهاض القانوني” أو “الإجهاض الطبي”، وفي غير هذه الحالة، فقد حدد القانون الإيراني عقوبة شديدة في حق من يسقط الجنين، مما أدي إلى أن تقوم النساء بإسقاط الجنين بطرق غير قانونية وفي السراديب، خوفا من عقاب القانون الإيراني لها، ومراجعة المختصين، مما يتسبب في ضرر كبير للأمهات قد يؤدي إلى الوفاة في كثير من الحالات، لهذا نجد تناقصا واضحا في أعداد وفايات الأمهات في الدول التي أجازت سقط الجنين بعد أن كانت تمنعه.

ويقول رئيس دائرة الطب الشرعي في طهران بخصوص الأوراق والوثائق المطلوبة من أجل إصدار ترخيص سقط الجنين، إنه يجب إحضار البطاقة الشخصية أو الوطنية للأم الحامل، وأن تحضر الأم بنفسها لمركز الطب الشرعي ومعها أيضا الشهادات الطبية حول الاختبارات الجينية، وشهادة تثبت مرض الأم.

وفي هذا الخصوص يقول القانونيون في إيران إن القوانين الإيرانية المتعلقة بإسقاط الجنين غير مكتملة، ونظرا لوجود المشاكل وواقعية هذه الحالة في المجتمع والأوضاع الراهنة في إيران، فإنه لا يمكن تجاهل قسم كبير من المجتمع.

مضاعفات الاجهاض:

للإجهاض مضاعفات عديدة مثل: الالتهابات الجزئية، النزيف، الحمى، ألم مزمن في البطن، اضطرابات في الجهاز الهظمي، القيء، الحساسية من نوع “إر هاش”، ومن أهم مضاعفاتها وأكثرها انتشارا هي الالتهاب والنزيف الشديدين، وانسداد مجرى الدم “التجلط”، ثقب أو تمزق الرحم، مضاعفات النخدير، التشنجات، الحيض، إصابات عنق الرحم، والأضرار المرتبطة بالغدد، وغالبا ما تكون هذه المضاعفات قابلة للعلاج وقت حدوثها، أما إن بقيت طويلا دون علاج، فإنها تسبب العقم أو سرطان الثدي، ومع ذلك فإن أغلب حالات الإجهاض تتم في طهران بصورة غير قانونية وتحت الأرض، مما يعني عدم جود الرقابة الطبية والعلاجية اللازمة للإم بعد الإجهاض.

عقوبة الإجهاض في إيران:

لدى العديد من خبراء القانون وعلماء الدين في مختلف البلدان آراء مختلفة بخصوص الإجهاض، والعديد من البلدان لا تعتبر إسقاط الجنين قبل ثلاثة شهور من عمره جناية، أما في إيران، فإن الإجهاض خارج الإطار القانوني أو ما يسمى بالإجهاض العلاجي والحالات الطارئة، فإنه يعتبر جناية يحاسب عليها القانون الإيراني كل من قام بهذا العمل.

يذكر أن المجلس الإيراني كان في وقت سابق قد وافق على مشروع باسم “تقييد طرق منع الحمل”، يتم من خلاله منع جميع الأساليب التي تنتهي باسقاط الجنين أو العقم وغيرها من الأعمال التي تؤدي إلى عدم الإجناب، وكل من يخالف ذلك يحكم عليه بالسجن مدة تتراوح ما بين سنتين إلى خمس سنوات، وقد تمت مراجعة بنود هذا المشروع قبل موافقة المجلس عليه، وفي مرحلة مراجعة هذه الخطة تم رفع عقوبة السجن.

الخلاصة:

تحتاج المجتمعات عادة إلى وضع القوانين التي تضبطها بما يتناسب مع ظروف الدولة، ولكن كل ما يجري حاليا في إيران يبدو أنه بعيدا كل البعد عن عقول وأفكار المشرعين، فالمشكلات الاقتصادية المتزايدة، والتضخم، والبطالة، وارتفاع سن الزواج، وبعد المجتمعات عن الأخلاق، وبشكل عام جميع الأزمات الناتجة عن السياسات الخاطئة والفكر التوسعي للنظام الإيراني، جميعها تعتبر الأسباب الرئيسية لنشوء الأزمات الاجتماعية في إيران، والحكومة الإيرانية دون النظر إلى إيجاد حلول للأزمات الحالية، مازالت تسعى إلى فرض المزيد من القيود على الشباب والأسر من خلال تنفييذ القوانين متشددة من أجل السيطرة الكاملة على المجتمعات، وها نحن نرى نتيجة ذلك.

أسيل رضائي

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق