بعد نجاح روسيا في وقف الضربة العسكرية هل تنجح في انتشال الأسد مجددا حفاظا على مصالحها؟

يجدد الروس لعب دور إنقاذ أوباما من ورطته تجاه الجمهوريين، مثلما أنقذوا أوباما من ورطته عندما قرر توجيه ضربة للنظام السوري بعد ثبوت استخدامه الكيماوي في الغوطة الشرقية ضد المدنيين، مقابل تسليم مخزونه من الأسلحة الكيمائية وتدمير منشآت تصنيعها.

وقف الضربة العسكرية ضد النظام السوري أعطاه فرصة في استقدام قوات أجنبية من حزب الله والنظام الإيراني والمليشيات الشيعية العراقية بحجة الدفاع عن المراقد الشيعية، وحمايتها من التكفيريين، كسرت الحصار الذي كانت تفرضه المعارضة داخل العاصمة وحمص والقلمون.

نجح النظام السوري في فتح المجال أمام القوى الإسلامية المتطرفة أن تتوسع على حساب الجيش السوري الحر حتى تهدد المصالح الغربية، وتهدد الدول العربية وحتى الإيرانية، لكن لم تتوقع إيران أن تنقلب الطاولة عليها في العراق، وتضغط الولايات المتحدة عليها في قبول تغييرات سياسية لصالح جميع القوى السياسية في العراق من أجل مواجهة الإرهاب الذي ضرب العراق نتيجة السياسات التي اتبعها حليف إيران المالكي  في العراق وحليفها النظام السوري في سوريا.

يقود نائب وزير الخارجية الروسي بغدانوف من أجل التوصل إلى تفاهمات أولية بين أطراف الصراع في سوريا وحاولت دغدغة عواطف الإسلاميين عن طريق مفاوضاتها مع معاذ الخطيب، خصوصا بعد دخول طرف جديد في الصراع وهي القوى المتطرفة، على خلفية إدراك الولايات المتحدة فشل الضربات الجوية ضد داعش ما وضعها أمام تحد حقيقي تجاه نقد الجمهوريين تطلب من إدارة أوباما تغييرا في الإستراتيجية، فهل يقبل أوباما هذه المرة طوق نجاة ثاني الذي يقدمه الروس له هذه المرة، أم أن الضغط الجمهوري ضد أوباما يقف بالمرصاد لتلك المبادرة.

المبادرة الروسية تحاول تغيير قواعد لعبة الصراع في سوريا، تجعل النظام السوري يتحول إلى طرف في الصراع بعد رفض القوى الإقليمية (السعودية وتركيا) والولايات المتحدة ودول أوربية خصوصا فرنسا بأن يكون النظام السوري طرفا في مثل هذا الصراع.

هدف المبادرة الروسية من أجل تشكيل تحالف عسكري بين النظام والمعارضة السورية لمقاتلة داعش لإخراج أوباما من ورطته بعد فشل الضربات الجوية ومن الضغط الجمهوري على أوباما.

تلك المبادرة التي لن يوافق عليها الجمهوريون المسيطرون على المجلسين في الولايات المتحدة، كما أن الدول الإقليمية تركيا والسعودية لن تقبلا بمثل تلك المبادرة التي هي محاولة لإعادة تسويق النظام لواشنطن التي لا تزال في صدد المفاوضات الإيرانية بعد تمديدها ستة أشهر.

 لن تنسى الدول الإقليمية دور الروس في وقف الضربة العسكرية التي فكت الحصار عن النظام السوري وأعطته فرصة في ترتيب صفوفه والاستعانة بقوات إيرانية ومن حزب الله والمليشيات الشيعية العراقية تقاتل إلى جانب النظام السوري غيرت من كفة النظام السوري على الأرض.

صلب المبادرة الروسية هي الحرب على الإرهاب التي تهدد السلم الإقليمي والعالمي ومصالح الغرب في المنطقة، من أجل تحقيق اختراق في الموقف الأمريكي، وهي فرصة من أجل إعادة تأهيل النظام السوري مرة أخرى من أجل أن يستعيد زمام المبادرة وقيادة الصراع على الأرض، وهي فرصة كذلك لفك العزلة التي فرضها الغرب على روسيا، واستبعدها هي وإيران من الحرب على الإرهاب من أجل استعادة دورهما على الساحة الدولية.

واشنطن تقاتل روسيا في أوكرانيا خصوصا بعد تقديم أسلحة نوعية لأوكرانيا، وزيارة مفاجئة للرئيس الفرنسي هولاند إلى موسكو في 6/12/2014 ولقاء نظيره بوتين بعد زيارة لكازخستان استمرت يومين، ودعا هولاند بوتين إلى منع إقامة جدران جديدة بين الغرب وروسيا، وموسكو تأمل من باريس استعادة أموالها إن لم تسلمها سفن ميسترال الحربية، وخرج الطرفان بتأييد وقف حمام الدم فورا في شرق أوكرانيا بعد اتهام الغرب بوتين بدعم الانفصاليين عسكريا في شرق أوكرانيا ولم يتم مناقشة أي ملف آخر خصوصا الملف السوري وملف داعش ما يدل على أن الغرب ليس جادا في قبول أي مبادرة روسية بشكل جدي.

أوباما مقتنع بأن سوريا غير جاهزة للحل الآن، لذلك استغرب أعضاء الكونغرس في جلسة استماع للحديث عن الحرب على الإرهاب، عن برنامج الحكومة الأميركية تدريب المعارضة السورية على السلاح، لأنه يبدأ في ربيع العام المقبل وينتهي عام 2016، والمبعوث الأممي غير قادر على شرح الفرق بين تجميد القتال ووقفه للمعارضة، خصوصا إذا كان التجميد سيتحول إلى مدخل يدفع حلب إلى الاستسلام.

أحياء حلب المدمرة باتت مشهدا يوميا في المدينة التي يقترح دي ميستورا تجميد القتال فيها، ويدعي أن التوقيت حاليا مهم والنافذة لن تدوم، ويؤكد مبادرته بالعمل بجنيف 1، ولكنه يرفض تقديم خطة مكتوبة للمعارضة.

بينما التقى وزراء خارجية الاتحاد الأوربي للإطلاع على خطة المبعوث الأممي دي مستورا في 14/12/2014 قبيل اجتماع وزراء الخارجية لمناقشة الملفين السوري والعراقي وإستراتيجية مكافحة داعش .

الورقة الأمريكية البريطانية الفرنسية نتاج عمل مشترك مع المعارضة، ولكن لديها مطالب ومخاوف بخصوص تطبيق الخطة التي تتطلب آليات تلزم النظام السوري تطبيق قرار تجميد العمليات العسكرية مع ضمان وجود مراقبين دوليين أو محليين لضبط وقف إطلاق النار، ولكن سبق أن جربت تلك الخطوة، وفشلت ولم يلتزم بها النظام السوري، أي أن حل الأزمة السورية مؤجل إلى أن تنتهي المفاوضات النووية الإيرانية.

د.عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق