الوجه الديني لإيران: ما هو إلا قناع مزيف

ظهرت في الآونة الأخير في جمهورية إيران الإسلامية عدة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الـفيسبوك والواتساب والانستغرام وغيرها من المواقع الأخرى، وكانت الصفحة الخاصة بالنساء الإيرانيات “آزادى­هاى يواشكى زنان ايران” على الفيسبوك للصحفية الإيرانية المعروفة مسيح علي­نژاد والمقيمة في المملكة المتحدة، والتي تعني باللغة العربية “الحرية بالتدريج للنساء الإيرانيات”، أولى هذه الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي. فكانت الغاية من وراء هذه الصفحة هي محاربة فرض الحجاب بالقوة في المجتمع الإيراني من قبل النظام الإسلامي في طهران. بحيث ترى مسيح علي­نژاد أنّ السبب الذي دفعها إلى إنشاء هذه الصفحة على الفيسبوك هو حقّها في الطريقة التي تراها مناسبة للباسها وحياتها الشخصية. وقد نالت إعجاب الكثير من الإيرانيات وتفاعلت معها مئات الآلاف من النساء الإيرانيات من كافة المدن الإيرانية، وخاصّة الفئة الشابة التي ترى أنه لم يعد هنالك أيّة جدوى بعد من ضرورة الالتزام بالحجاب المفروض عليهن منذ 35 عام، لتتزين هذه الصفحة -الحرية بالتدريج للنساء الإيرانيات- وخلال أيام معدودة بالآلاف الصور من دون حجاب للفتيات الجميلات.

كما أن هذه الصفحة -الحرية بالتدريج للنساء الإيرانيات- على الفيسبوك تحولت إلى أهم الصفحات التي تطالب بالحريات العامة في إيران ما دفع بمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الرسمية أن تنعت مسيح علي­نژاد “بالعاهرة”. الأمر الذي شجع الكثير من الشباب الإيراني ليعبر عن رغبته في الحياة ونمط العيش الذي يرغب فيه. ومن جانب آخر، يرى الكثير من الإيرانيين وخاصة المقيمين منهم في الخارج بأن السياسة التي يتبعها نظام الملالي في التعريف عن نمط وأسلوب الحياة للمواطنين في إيران لا تعكس الحقيقة ونمط العيش هناك. ويرى هؤلاء أن الحياة اليومية للإيرانيين لا تنقصها الحداثة والتطور والرقي في البلدان الأخرى، وهنالك من يعيش برفاهية مطلقة على غرار الحياة في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ولا سيما دول الخليج العربي التي تحتضن جالية كبيرة من الإيرانيين الهاربين من سياسات نظام الملالي التعسفية.

وفي الأسابيع الماضية قامت مجموعة من أبناء الأثرياء في طهران بإنشاء صفحة على خدمة الانستغرام، وسميت هذه الصفحة بأبناء الأثرياء في طهران (Rich Kids of Tehran)، وكانت الغاية من إنشاء هذه الصفحة أن تعكس واقع الحياة للأثرياء ونمط العيش في طهران بشكل عام. فيقول أصحاب الصفحة: “إن الغاية من وراء إنشاء هذه الصفحة، أن نعكس للعالم الواقع الذي لم يعكسه النظام”. بحيث إن ما جاء في هذه الصفحة من صور لأبناء المسؤولين والأثرياء المقربين للسلطة -الملالي- يفوق التصور الذي طالما أراد نظام الملالي إيصاله للعالم، من أن الحياة اليومية للشعب الإيراني المسلم تتّسم بالروحانية والبساطة والتواضع وما شابه ذلك من القيم الأخلاقية الرفيعة.

وكانت الصور التي تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي، ولاسيما تقارير كبرى الصحف الإيرانية المعارضة والعالمية عن هذا الموضوع صادمة للفقراء والفئات المتوسطة، والذين يشكلون السواد الأعظم من المجتمع الإيراني. حيث السيارات الفاخرة والنادرة جداً في إيران والتي يتحكم في تجارتها الحرس الثوري، وكذلك الفلل والأبراج في شمال طهران، لاسيما صور الحفلات الليلية والفساتين القصيرة للشابات التي عُرِضت على هذه الصفحة للأثرياء -أبناء المسؤولين- في طهران على خدمة الانستغرام لم يتصورها لا المحب للجمهورية الإسلامية ولا عدوها أبداً!

ومن جانب آخر، يرى المراقبون للشارع الإيراني أن هذه الصور تمثّل نسبة قليلة جداً من المجتمع الإيراني، وقد تكون هذه النسبة عينة من أبناء المسؤولين في النظام والمقربين إليهم من أبناء الأثرياء، وذلك لحاجة الأثرياء وأبنائهم للسلطة -الملالي- والعسكريين من الحرس الثوري في الأسواق وغيرها من المعاملات التجارية الأخرى.

وقد أدى الوضع الاجتماعي والاقتصادي المزري جراء سياسات النظام الخاطئة إلى ظهور فجوة عميقة وتباين الحاد بين طبقتي المجتمع في الجمهورية الإسلامية، الطبقة الأولى: السلطة السياسية -الملالي- والمقربون منهم، وكذلك مؤسسة الحرس الثوري والمنتفعون من هذه المؤسسة العسكرية والأمنية والاقتصادية العملاقة. والطبقة الثانية: تشكل السواد الأعظم من المجتمع الإيراني المغلوب على أمره.

وعلى ضوء هذا التباين الشديد جراء السياسات الاجتماعية والاقتصادية الخاطئة طوال عمر الجمهورية الإسلامية منذ 35 عام، من الطبيعي جداً أن نرى هذه النتيجة في التباين والتناحر. ورداً على أبناء الأثرياء في طهران، أنشأ أبناء الفقراء في إيران صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن معاناتهم المستمرة، وذلك على الرغم من الثروات الهائلة للدولة من النفط والغاز، إلا أن نائب رئيس الجمهورية للتنمية الإدارية والبشرية بتاريخ 16/8/2014، يؤكد على أن الجمهورية الإيرانية الإسلامية يوجد فيها أكثر من 10 مليون عائلة بحاجة مستمرة إلى مساعدات، وهذا يعني في حال أخذنا بعين الاعتبار أن كل عائلة مكونة من أربعة اشخاص، فإنّ هذا يعني أنّ في إيران الإسلامية قرابة 40 مليون شخص يعيشون على المساعدات، وهو ما يعادل أكثر من نصف سكان البلاد تقريباً.

وفي نفس السياق، يؤكد “موسى الرضا ثروتي” العضو في لجنة التخطيط والموازنة في البرلمان الإيراني (مجلس الشورى الإسلامي) واستناداً لتقارير المجلس أنّ 15 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر، وهذا يعني أكثر من 20% من المجتمع الإيراني يعيش تحت خط الفقر!!

والجدير بالذكر، أنّ تصريحات كبار المسؤولين -الملالي- في الجمهورية الإسلامية والإعلام الحكومي المؤدلج دينياً، دائماً ما تأتي خلافاً للواقع المعاش في إيران. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تؤكد إحصائية منشورة بتاريخ 12/10/2014، ونقلاً عن مدير الصحة النفسية في وزارة الصحة على ارتفاع نسبة استهلاك المشروبات الكحولية بين المواطنين لتجتاز 200 مليون لتر سنوياً.

ومن خلال الواقع المعاش واليومي للمواطن الإيراني نستشف وبوضوح أنّ ما يعكسه الإعلام الحكومي التابع للسلطة -الملالي- في إيران هو مناقض كلياً مع ما نشاهده عن المجتمع الإيراني من حيث السلوك الاجتماعي والديني والأخلاقي الذي يروّج له النظام في طهران، وإنّ الوجه الديني لإيران ما هو إلا قناع مزيف ذو أهداف سياسية!!

جمال عبيدي

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

الوسم : إيرانالفقر

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق