المنطقة بين ميليشيات داعش وميليشيات إيران

استنسخت الولايات المتحدة تجربة تشكيل قوات في حرب الخليج الثانية 1991 لتكوين تحالف دولي جديد لمواجهة تنظيم داعش ما يقرب من خمسين دولة يفوق عدد دول التحالف في حرب الخليج الثانية التي كان عددها نحو 32 دولة، لكن الفرق بين هدف التحالفين كبير جدا، الأول كان له هدف محدد في تحرير الكويت، انتهى التحالف بتحرير الكويت، بينما هدف التحالف الحالي مطاطي ومداه قد يمتد لسنوات كما ذكر ذلك أوباما في عدد من خطاباته، بل نجد الدول في هذا التحالف أكثر تحمسا من الولايات المتحدة، لأن العديد من الدول تعتبره فخا تنصبه الولايات المتحدة لعدد من الدول خصوصا تركيا.

كما أن عدداً من الدول العربية التي أفصحت عن حجم مشاركتها كان محدودا، لكن جاءت مشاركة دولة الإمارات والسعودية بالضربات الجوية ونشر تلك المشاركة عبر بعض الصور لطياريها أثناء القصف كمحاولة لإضفاء الشرعية الإقليمية على تدشين الحرب ضد داعش.

المتغيرات التي تشهدها المنطقة أجبرت الولايات المتحدة على العودة بقوة لمواجهة المخاطر التي تهدد مصالحها في المنطقة، فسعت واشنطن بقوة لحشد تأييد إقليمي ودولي لمواجهة داعش لتحقيق عدة أهداف أهمها عدم خروج المنطقة عن السيطرة الأمريكية.

الحرب على داعش أثار حفيظة تركيا في مقدمتها تدعيم مكانتها الإقليمية التي تحرص على التخلص من نظام بشار الأسد وتحجيم طموح الأكراد سواء أكراد سوريا أو أكراد تركيا خاصة بعد اعتماد الولايات المتحدة على البيشمركة الكردية في مواجهة داعش على الأراضي السورية والعراقية ما وفر لهم مكانة استراتيجية عالمية، بينما إيران ضمن تحالف صامت بسبب أنها تخشى أن هدف تلك الحرب يقلص قوة إيران الإقليمية ونفوذها، لذلك هي تقوم بتزويد الجيش العراقي والبيشمركة بالسلاح والمستشارين وحتى بالمقاتلين من الحرس الثوري، مما أثار حفيظة السعودية التي ترى في تلك المليشيات من الحرس الثوري مليشيات إرهابية لا تقل خطر عن خطر داعش.

التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة ضد داعش سيبقى ضمن الأدوات المفترضة للإدارة الأميركية في المنطقة تسلطه على من تشاء، رغم ذلك جمع هذا التحالف دول مختلفة حول الأزمة في مصر تجاه الإخوان، بل أصبح هذا التحالف يشكل تركيبة عجيبة وفريدة من نوعها، وهو ما يؤشر على تغيرات غير طبيعية في المنطقة، ومع التغيرات الجارية في المنطقة والمتوقعة تسعى كل الدول المشاركة في التحالف إلى الاستفادة من التحالف وما سيقوم به لتوظيف مصالحها، لذا بالرغم من وجود هدف واحد للتحالف إلا أن لكل دولة أهدافها ومصالحها الخاصة من مشاركتها.

بالنسبة للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية وبعد انتهاء الحرب الباردة، ومنذ حرب الكويت 1991 وبعد طرد الجيش العراقي من الكويت، بدأت بهيمنة كاملة على الشرق الأوسط في ظل غياب وجود منافس على غرار الاتحاد السوفيتي، وباتت المنطقة خاضعة للولايات المتحدة، ولم يكن أمام اليميني الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 سوى اختلاق حروب جديدة على الإرهاب لتوظيفها اقتصاديا وعسكريا لتثبيت هيمنها على المنطقة.

 لكن الأزمة المالية عام 2008 غيرت كثير من الاستراتيجيات لدى الولايات المتحدة في ضرورة تقليل نفقات هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط والعالم خشية من صعود المارد الصيني خصوصا بعدما تولى أوباما الرئاسة، لذلك هي تطالب اليابان والهند وبعض دول الشرق الأوسط كمنطقة دول الخليج وخصوصا السعودية بالتسلح والدفاع الذاتي تحت هيمنة الولايات المتحدة من أجل تقليل تكاليف انتشار قواتها العالمية حتى لا تكون أهدافا سهلة للصين وحلفائها.

لذلك وجدت السعودية الفرصة في إمكانية تغيير الوضع الإقليمي في المنطقة عبر حشد قوي وكبير تجلى بتشكيل تحالف إسلامي عسكري في مواجهة الإرهاب يتخذ من العاصمة السعودية مقرا وغرفة للعمليات.

التحالف العسكري الإسلامي الذي شكلته الرياض في ديسمبر 2015 يهدف إلى محاربة الإرهاب يضم 35 دولة بقيادة السعودية يضاف إليها إندونيسيا التي قررت الانضمام للحلف وهي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد المسلمين، كما أن أكثر من عشرة دول أعلنت تأييدها لهذا التحالف وستكون الرياض مقرا للتحالف الذي يهدف إلى محاربة أي منظمة مهما كان تصنيفها، والدول الأكثر قوة في التحالف هي تركيا، باكستان، مصر، السعودية، ماليزيا، نيجيريا، المغرب، الإمارات، بنغلاديش، تونس.

تضم هذه الدول نحو مليارا و31 مليون نسمة وأكثر من 4 ملايين عسكري ونحو 5 ملايين جندي احتياطي، كما تمتلك هذه الدول أكثر من 2500 طائرة حربية بجانب 21 ألف دبابة و461 مروحية قتالية، و44 ألف مركبة قتالية ويضم التحالف دولة نووية هي باكستان، بينما شككت إيران في جدية هذا التحالف مع استعداد السعودية إرسال قوات برية إلى سوريا لمقاتلة داعش.

وضعت دول التحالف الإسلامي العسكري حجر الأساس لآلية العمل المشتركة واستراتيجية من 4 محاور لمحاربة الإرهاب في اجتماع رؤساء الأركان لهذه الدول في الرياض التي وصل عددها 39 دولة التي ستعمل معا على تجفيف منابع الإرهاب ومصادره تحت مظلة الشرعية الدولية وتحارب الإرهاب بشكل عام ولن تقتصر على داعش فقط، لكنها لن تشكل قوات مشتركة منظمة وإنما تتجه إلى تنسيق الجهود وآلية مكافحة الإرهاب بالتوافق والمبادرة وتحترم سيادة كل دولة في التحالف.

العلاقة بين التحالفين الذين شكلتهما كل من الولايات المتحدة والسعودية مهم جدا لخلق اتزان يقي المنطقة من الانهيار على يد داعش أو مليشيات إيران، خصوصا بعدما اتبع داعش أساليب تستخدمها إسرائيل ما يسمى بالبريد الميت بأن تكلف كل عنصر في الشبكة بمهمة دون أن تعلم بها بقية العناصر الأخرى، من أجل عدم كشف العملية عندما يتم ضبط أحد أفراد الشبكة، إذ لا يمكن ضبط بقية أفراد الشبكة، ما تمثل صعوبة شديدة على المحققين في متابعة العمليات التي تقود بها داعش، علاوة على إتباع استراتيجية الذئاب المنفردة.

 هذا ما جعل المنسق الأوربي لمكافحة الإرهاب جيل دي كيرشوف أن تتم هزيمة تنظيم داعش في غضون عام في كلمة له أثناء مشاركته في اجتماعات أوربية ببروكسل التابعة للإتحاد الأوربي بعد تقرير بلجيكي حول تجربة مدينة ميخلن القريبة من بروكسل، حول مواجهة محاولات نشر الفكر المتشدد بين الشباب، ومحاولات تجنيد وتسفير بعض منهم إلى مناطق الصراعات في سوريا والعراق.

 خصوصا بعد أن كانت مولنبيك محل اهتمام الإعلام الدولي منذ أواخر 2015 في أعقاب تورط عدد من الشبان من سكان الحي في تفجيرات باريس، واستمر الأمر أيضا في أعقاب تفجيرات بروكسل وقعت في مارس 2016، أي أن بلجيكا تحولت على مركز تجنيد أوربي رئيسي للمتطرفين، امتدت عمليات داعش إلى الولايات المتحدة في مذبحة أورلاندو، بعدما كشفت واشنطن أجزاء من اتصالات الشرطة مع منفذ المذبحة، حيث لخصتها الشرطة بأنه عرف نفسه بأنه جندي متطرف وطلب وقف ضرب سوريا والعراق وأضاف أن الأيام المقبلة سترون مزيدا من مثل تلك الأعمال، كل هذه الأعمال الإرهابية التي امتدت إلى أوربا وأمريكا سيتراجع أوباما عن تصريحاته المتعددة بأن محاربة التنظيم يحتاج إلى سنوات عديدة.

السعودية ترى أن بروز داعش كان بسبب الأخطاء الأمريكية في المنطقة عندما غادرت أميركا العراق عام 2012، لذلك فإن ما يجري في العراق وسوريا غير مفاجئ بسبب تحالف نظام بشار الأسد مع إيران وروسيا مما أطال أمد الحرب في سوريا، وأجبر أوباما على عدم معاقبة الأسد بعد استخدامه الأسلحة الكيماوية الذي يعتبر خط أحمر دوليا، استعاد النظام السوري حيويته الدموية، حتى أصبحت آثار القصف على المدن السورية تفوق في حجمها الكارثة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، بل أصبحت حلب عاصمة الدمار.

 وفي العراق الذي سلمته أمريكا لإيران، وأصبحت قبضتها عليه قوية، بعدما انحازت الولايات المتحدة للمالكي ضد علاوي الذي فاز عليه بفارق مقعد واحد عام 2010، لكن اضطهاد المالكي السنة أشعل النيران السنية، وأعطى مبررا لبروز تنظيم داعش الذي احتل مناطق واسعة في العراق بعد احتلاله الموصل باعتراف مسؤول عراقي من الموصل عن تحركات إيرانية مهدت لتسليم الموصل لداعش بعدما هدد قاسم سليماني رئيس مجلس النواب العراقي السابق أسامة النجيفي إن لم يتعاون في دعم رئيس الوزراء نزري المالكي قبل 4 أشهر من احتلال داعش للموصل عام 2014، وبين أن إيران والمالكي قدما كثيرا من التسهيلات للتنظيم كي ينجح في فرض سيطرته على المدينة وحصل على معدات تقدر ب27 مليار دولار بعد انسحاب الجيش ولولا هذه الأسلحة لما استطاع داع شان يشن هجوما واسعا باتجاه أقاليم كردستان وبغداد وعين العرب الذي شجعه على الامتداد إلى سوريا وإعلان دوليته في الرقة، بل حذر مدير استخبارات نينوى من هجوم مرتقب لا يستهدف فقط الموصل بل يستهدف عدة محافظات، لكن رغم كل هذه التحذيرات والمعلومات أخذ قائد عمليات نينوى مهدي الغراوي بتاريخ 3 يونيو 2014 إجازة، مما أعطى إيران مبررا في تشكيل الحشد الشعبي الذي أصبح أقوى من الجيش النظامي بفتوى من السيستاني مما يثبت أن رجل الدين يمكن تسيسه لأنه لا يعرف ألاعيب السياسة.

وبعد أن أقرت الخارجية الأميركية في تقريرها السنوي عن النشاط الإرهابي العالمي، أن إيران هي أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، بينما صنفت تنظيم داعش باعتباره أكبر تهديد إرهابي على مستوى العالم، حيث أشارت إلى أن عام 2015 شهد وقوع 11774 حادثا إرهابيا في 92 دولة حول العالم أدى إلى مقتل 28300 شخص، لكن رصد التقرير مجموعة واسعة من الأنشطة الإيرانية لزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط، وأشار التقرير إلى ثلاث دول راعية للإرهاب وفي مقدمتها إيران وسوريا والسودان قبل أن ينضم السودان إلى التحالف الإسلامي العسكري ويتخلى عن التحالف مع إيران.

لقد بدأت السعودية بالتعاون مع المجتمع الدولي في محاصرة تمويل الإرهاب بما فيها المليشيات التابعة لإيران وعلى رأسها حزب الله في لبنان، وبدا مصرف لبنان في إقفال 100 حساب مرتبط بما يسمى حزب الله فعلا، وهناك قائمة جديدة تطال 3 آلاف متعامل تطبيقا للقانون الأميركي الخاص بمكافحة شبكة تمويل الحزب، وقد سبق القانون الأمريكي تطبيق دول الخليج نفس القانون في محاصرة حزب الله ماليا، ما يعني أن مستقبل حزب الله الموت في سوريا والدفن في لبنان، وبالفعل أضحت قدرة حزب الله في لبنان على حشد مؤيدة للتصويت تراجعت بوضوح في بعض المناطق التي يحظى بشعبية كبيرة، بات الانسحاب من سوريا لا مفر منه ويتوقف على عوامل في مقدمتها اتساع النطاق الزمني للأزمة السورية.

وفي العراق بدأ النواب اعتبار تصريحات الجعفري وزير الخارجية بأن سليماني مستشارا إهانة للجيش العراقي، وبدأ السيستاني يبلغ الأمم المتحدة قلقه من تراجع الإصلاح في العراق بعدما أسر عن خيبة أمله في صمود الائتلاف الشيعي الموحد ووصوله لطريق مسدود.

والوضع داخل إيران ليس بأحسن حال، إذ أن وزير الصناعة والداخلية الإيرانيان يرسمان صورة قاتمة للوضع الاقتصادي والاجتماعي حيث 3 ملايين ونصف عاطلون عن العمل و11 مليون مهمش في إيران، وبدأ روحاني يصعد ضد واشنطن، وخامنئي يهدد بحرق الاتفاق النووي، حتى أن ظريف وزير الخارجية الإيرانية أقدم على تشكيلة دبلوماسية جديدة في طهران بإقالة مساعد الشؤون العربية عبد اللهيان ويختار أنصاري مساعدا جديدا في الشرق الأوسط.

هناك تضجر حتى في أفريقا بعد طرد السودان البعثة الثقافية الإيرانية التي كانت تمارس التشييع في السودان، وكانت تستخدم الأراضي السودانية معبرا لنقل السلاح للجماعات الإرهابية إلى سيناء، فنجد مساعد الرئيس الكيني صرح بأن أفريقا لن تسمح لإيران بتصدير أفكارها وثورتها إلى شعوبها، كان آخرها دولة الجزائر التي لم تنضم على دول التحالف الإسلامي العسكري أبدت تخوفها من انتشار أفكار التشيع بل عبر وزير الشؤون الدينية عن غزو مذهبي، بعدما اكتشفت الجزائر أن دور الملحق الثقافي تحت رعاية أمير موسوي سوى الدعوة إلى التشيع خصوصا بعد حرب 2006 حيث استهدف الملحق الثقافي 25 ألف عبر حملات مركزة، وحسب التقارير الأمنية تم تشييع 5 آلاف جزائري 80 في المائة منهم قاموا بزيارة قم وكربلاء والنجف بعد عبورهم لبنان وهي زيارات في إطار استخباراتي وتجنيدهم من أجل أن يصبحوا طائفة، ثم تأتي بعد ذلك حقوق هذه الطائفة، مثلما حدث في البحرين في ظل سكوت خليجي خشية إثارة إيران.

بدأت السعودية بضرب أحد أهم مشاريع إيران في المنطقة في البحرين بعدما سحبت البحرين الجنسية من الوكيل الحصري لإيران في البحرين الذي حصل على الجنسية عام 1962 بسبب أنه يمتلك 10 ملايين دينار بحريني يجمعها من الخمس المفروض على الطائفة الشيعية، ولكنه لا يصرفها في وجهها الشرعي الذي يجب أن تصرف على الفقراء والمساكين، لكن ثبت تحويل جزء منها لمنظمات خارجية تهدد امن البحرين بحسب القوانين الدولية يعتبر خائنا لبلده خصوصا وأنه يمارس التحريض الطائفي في كافة خطاباته، ولم يكن له مواقف وطنية خصوصا بعدما استشهد 19 من رجال الأمن البحرينيين.

 ما يمثل ضربة للمشروع الخميني الفارسي في المنطقة الذي يعتبر فكر دخيل عابر لحدود الدول وقوانينها، وفي تدخل سافر وتجاوز لكل الخطوط الحمراء قائد فيلق القدس يتوعد المنامة بدفع ثمن سحبها الجنسية من وكيل إيران عيسى قاسم، بل حرضت إيران وحزب الله البحرينيين على العنف والعصيان، ما يدل على أن إيران وحزب الله يعانيان عصبية منذ أن قرر حزب الله في مغامرة غير محسوبة على التورط في حرب سوريا عام 2013 التي باتت تهدد بنياته العسكرية بعد أن استنفد رصيده المعنوي الذي تشكل لدى عامة الشعوب العربية والمسلمة عام 2006 والتي اعتقد الكثير منها في صحة عنوان المقاومة الذي أخفى وراءه الحزب نفسه الطائفي المقيت عن عامة الشعوب ولسنوات طويلة، في وقت بات يتعرض فيه إلى أشد أنواع الحصار المالي والعسكري خليجيا ومؤخرا أمريكيا حيث طاله هذا الحصار في عقر داره في لبنان.

ما تعتبر تدخلا سافرا جديدا في شأن من شؤون الدولة الخليجية الداخلية، على غرار احتجاجها عندما أعدمت السعودية نمر النمر بعد أدانته بعمليات إرهابية ضمن مجموعة إرهابية، بزعم الدفاع عن الأقليات الشيعية، رغم أنهم مواطنون في هذه الدول يحاسبون وفقا لقانون يسري على الجميع وليس لانتماءاتهم الطائفية، وستواصل السعودية تطهير المنطقة من هذا المشروع بدعم عربي وإسلامي ودولي.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق