الفيدرالية خارطة طريق للعودة إلى مرحلة ما قبل الدولة في اليمـن

منذَ الوهلة الاولى لإعلان انعقاد مؤتمر الحوار الوطني في اليمـن، والذي انعقد في السنة الماضية في 18 آذار/ مارس 2013، تم الادراك لدى بعض النخب السياسية والثقافية الوطنية الرشيدة بأن مخرجات ذلك الحوار سوف تفضي إلى ميلاد نظام فيدرالي للحكم في اليمن في شكل إقليمين أو أكثر من ذلك، حيث كان نسبة التمثيل كمؤشر اولي لذلك، فقد تم تقسيم التمثيل إلى 50% للشمال و50% للجنوب.

وهو يوحي بأن العقلية السياسية والحزبية الداخلية المشاركة في المؤتمر، وسلطة حكومة الوفاق، وفي إيحاء إليها من الإدارة السياسية البرغماتية الخارجية (الإقليمية– والدولية) بأن الحل لإعادة الاستقرار الأمني والاجتماعي في اليمن يندرج تحت التسليم في الأخذ بالنظام الفيدرالي، وهي محاولة لاستغباء العقل الوطني، لأن فعل الاستقرار سيتم، ولكن في توزيع، وتقسيم الثروات، وموارد اليمن بين مصالح تلك القوى الخارجية.

وكذلك يعد تأخير هيكلة الجيش بشكل كامل لكي يتناسب مع نظام الأقاليم. وهو إشارة أخرى للإقرار المسبق بالنظام الفيدرالي لدى صانع القرار السياسي في اليمن اليوم. ولهذا كانت طاولة الحوار الوطني تدور في الفضاء الخارجي عن الواقع اليمني الذي كانت تحمل متطلباته في التغير في أهداف ثورة 11 شباط/ فبراير 2011، في العمل على تكريس الوحدة الوطنية كمشروع الإبقاء علي الدولة المركزية الموحدة، وإنقاذ الانزلاق في مشروع الانفصال، في ظل الإدارة السيئة للنظام السابق للدولة في الشمال والجنوب. إلا أن الاصطياد السريع للصوص التاريخ بعض المرتزقة السياسيين والحزبيين، والعمل على الأخذ بالتطور العكسي، وفي ظل عدم المبادرة من قبل منظمة المجتمع المدني لتحتضن تلك الثورة الشبابية الشعبية بروح المسؤولية الوطنية ترك للرياح الرأسمالية الخارجية أن تغذي الأرواح الانتهازية تلك القوى السياسية والحزبية الداخلية لإحكام السيطرة الكاملة على مشروع التغير. ولذا اتت المبادرة الخليجية، وأصدرت تشريع الحصانة للقاتل، وانتصرت في تنفيذ مخطط الشرق الأوسط في اليمن، والذي أعلنته (كوندليزا رايس) وزيرة الخارجية الأمريكية (سابقاً)، والذي يهدف إلى إدماج الكيان الصهيوني (إسرائيل) كعضو طبيعي في المنطقة مع مراعاة التفوق العسكري لديها، والذي لن يتم إلا في إعادة ترتيب الخارطة بتقسيم الدول العربية وتدمير وحدتها ومقدراتها وإمكانياتها. وقد تم ذلك في بعض الدول العربية التي تعيش اليوم  في ظل نظام فيدرالي بلا دولة (العراق – السودان – ليبا – الصومال)، واليمن اليوم تنهج، وفي ظل فخر مرتزقتها في هذا الانجاز التاريخي المشؤوم لهم، ومسلسل حلقات التقسيم ما يزال قائماً حتى استكمال بقية الدول العربية، حيث استطاعوا أن يقسموا فيها الإنسان كمشروع طائفي متصارع مع مستقبله.

إن من يرى بأن مشروع الفيدرالية سيمثل حالة إنقاذ لليمن وإخرجها مما تعيشه اليوم من فوضى وأزمات. يكون لا يفهم في فقه التاريخ السياسي شيئاً، وإنما سوف تضاف كحالة أزمة جديدة في تداعيات مستقبلية  لتلك الأزمات، والمشاكل التي تعيشها اليمن في الوقت الراهن. وإنما تعد تفتيت للوحدة الوطنية، وتمزيق للجسد اليمني الواحد، وكحل مفخخ بالصراعات “المناطقية – الطائفية” لتلك الكيانات الجديدة (الأقاليم). ولن تكون الفيدرالية سوى خارطة طريق للعودة إلى مرحلة ماقبل الدولة، حيث سيجعل النظام الفيدرالي اليمن تقبع تحت الوصاية الخارجية بشكل دائم، وكذا تحت التهديد والاحتلال، بعد أن يتم تقسيم الشعب اليمني الواحد إلى مجموعات منفصلة بحدود جغرافية وسياسية على أساس انتماءات مناطقية وجهوية ومذهبية ، وكل مجموعة تدور حول ذاتها في حلقة أضيق. وستغذي الفيدرالية نوازع الصراعات بين تلك الكيانات الجديدة على الثروات والموارد، وسيكون الصراع مزدوجاً بين أقاليم تلك الكيانات المنتجة للنفط وغير المنتجة، وصراع آخر بين الحكومة المركزية، وحكومات الأقاليم في تلك الكيانات التي تنتج النفط وتسعى للاستئثار بمعظم عوائدها. وأيضاً نشوء الصراع على الموارد والثروات التي قد توجد في المناطق الحدودية لتلك الأقاليم، والتي سيدعي كل إقليم أحقيته بها. ونموذج الصراع القائم بين “حكومة السودان في الشمال، وحكومة جنوب السودان في الجنوب” على مناطق الثروة النفطية بين حدود الدولتين. و”الحكومة العراقية المركزية وإقليم كردستنان في شمال العراق”، لذا وضعت قوات الجيش العراقي وقوات البشمركة على مشارف المواجهة المسلحة حتى هذه اللحظة الراهنة. والصراع الدائر منذَ عام 1990، عندما انفصلت الصومال إلى أقاليم ما تزال تعيش في حالة صراعات، وليبيا اليوم في فضاء الصراعات المفتوحة ما تزال تخطى مشوارها .

وكذلك تحمل الفيدرالية العديد من العيوب تتمثل في زيادة النفقات المالية للأقاليم، حيث سيكون لكل إقليم برلمان وحكومة. مما يتطلب تكاليف مالية لتلك البرلمانات والحكومات والإدارات وازدواجها  في الفيدرالية، وهي أكبر من تلك التي يتم الصرف فيها في ظل الدولة المركزية. وإذا كانت الحكومات في اليمن وإلى اليوم تستأجر بعض المباني لبعض الوزارات، وكذا أقسام الشرطة من ممتلكات المواطنين. وتلهف تلك الحكومات، وما تزال بعد الدول المانحة والصديقة لتقديم المساعدة المالية لإنعاش أرصدة المسؤولين، وليس لإنقاذ اليمن من سوء إدارة ثرواتها. مما سيجعل كل إقليم يبحث له عن راعٍ خارجي للتمويل مستقبلاً، وهذا ما تبحث عليه تلك الدول.

وسيتحمل أيضاً  نصيب المعاناة الأكبر المواطن، حيث سيصبح لكل إقليم تشريعات محلية مختلفة. مما يصعب استقرار المواطن خارج إقليمه “كاالطلاب والموظفين والتجار”.

إن الفيدرالية كأسلوب في إدارة الدولة ينفع في الدولة شاسعة المساحة، وفي المجتمعات ذات التعددية الدينية واللغوية والعرقية كحل لمشاكل تاريخية بين مكوناتها أو لتجنيب الأقليات الشعور بالاضطهاد من قبل الأغلبية. بحيث يًعطى كل صاحب ديانة أو أقلية أو عرق خصوصيته في التشريعات، وقد أخذت بذلك كلاً من (الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا والهند ..)، ولذا اليمن ليست مترامية الأطراف في مساحاتها، وتمثل في وحدة  “الدين واللغة والقيم والعادات” بين أبناء شعبها في الشمال والجنوب،  وأيضاً ينفع النظام الفيدرالي بين دول مستقلة أو إمارات مستقلة تريد أن تنتقل إلى اتحاد فيدرالي، لإيجاد  تنوع في  الثروة  مما يخلق لديها توازناً اقتصادياً. لتمثل حالة من القوى الاقتصادية الواحدة. كنموذج دولة (الإمارات العربية المتحدة). فالاتحاد الفيدرالي لا يحدث إلا بين أجزاء مقسمة، وليس بين كيان موحد كاليمن.

إن الجميع يدرك  بأن الوحدة اعتراها أخطاء ومظالم نتيجة السياسات الخاطئة للنظام السابق، ولكن ليس علاجها في تقسيم اليمن وتمزيقه. لأن المشكلة في اليمن تبدو واضحة، وهي إصلاح النظام السياسي، والنظام الإداري في أجهزة الدولة، وفي اعتماد حكم محلي واسع الصلاحيات، بحيث يعطى لكل محافظة حقها من الاهتمام والعدل والمساواة في توزيع الثروات مما سيؤدي إلى الحفاظ على النسيج الاجتماعي، وعلى الأمن والاستقرار، وقد اعتمدت بعض الدول ذلك ونجحت مثل (فرنسا – ايطاليا – اسبانيا – تركيا).

إن طغيان الهويات الطائفية والمناطقية التي تؤثر على عامل الانتماء الوطني الواحد اليوم، والذي يتميز بها مشروع فصيل الحراك الجنوبي مع بعض القوى الحزبية داخل مؤتمر الحوار الوطني التي استطاعت اليوم جعل النظام الفيدرالي كمشروع انفصالي للجنوب، وهذا ما أتت بها وثيقة حل وضمانات القضية الجنوبية التي وقّع عليها معظم الأحزاب، والحراك الجنوبي في مباركة رئيس الجمهورية، وهي تعد وثيقة تكرس لذلك المشروع الانفصالي.

 يجب أن يكون اليوم هناك هبة شعبية في جميع محافظات اليمـــن، ولكن نقيض الهبة الشعبية لا أبناء حضرموت  ودعواتها للانفصال، وإنما هبة تعمل على تصحيح مسار ثورة 11 شباط/ فبرار 2011، وتنادي في الإبقاء على الوحدة اليمنية، وإسقاط حكومة الوفاق. لأن المظالم هي واحدة كانت، وما تزال لأبناء اليمن في جنوبه وشماله، ويجب كذلك إخراج محافظة صعدة من النظام الفيدرالي غير المعلن الذي تعيشه اليوم.

ويجب على أعضاء مؤتمر الحوار الوطني أن ينتصروا على نزواتهم ورغباتهم وأطماعهم الشخصية، وتغليب العقل، واستحضار الحكمة اليمنية لكي نستطيع بناء يمن جديد متصالح مع نفسة .وحمى الله اليمــــن من كل شر ، وأبعد الله عنها مرتزقة السياسية وطوفانهم.

جهاد عبد الرحمن

باحث وأكاديمي يمني

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

الوسم : اليمن

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق