الغاية الإيرانية من القنبلة النووية

يأتي حضور نائب وزير الخارجية الأمريكي ويليام بيرنز، مهندس الاتفاق المؤقت بين الغرب -الولايات المتحدة الأمريكية- من جهة، وإيران من جهة ثانية في المحادثات السياسية – النووية المستمرة في فيينا، يوم 17/6/2014، محاولة لإنقاذ المحادثات النووية المتعثرة، وذلك على إثر الفشل في الجولة الرابعة من المدة المقررة لهذه المفاوضات بسبب التعنت الإيراني من جانب، وإصرار الغرب للمضي قدماً للحد من طموح الحرس الثوري لامتلاكه القنبلة النووية، من جانب آخر.

وكما يبدو بعد الفشل الذي طال المفاوضات النووية في الجولة الرابعة، والتي عرفت بـ “فيينا 4″، طلبت طهران من الغرب، وبالتحديد من الولايات المحتدة الأمريكية إجراء مفاوضات مباشرة وسرية قبيل الجولة الحاسمة (فيينا 5)، والتي انتهت يوم الجمعة الماضي دون التوصل إلى أي نتائج، بحيث صرح عباس عراقجي كبير المفاوضين الإيرانيين إن الغاية من هذه المفاوضات المباشرة مع كبار الساسة في البيت الأبيض هي “لتشخيص وتحديد نقاط الخلاف بين إيران والغرب”!!؟ لكن في الحقيقة ما وراء هذه الطريقة في المفاوضات التي اعتمدتها طهران هو دليل قاطع على الأسلوب المخادع من جهة، ورشوة الدول العظمى بامتيازات اقتصادية كبيرة من جهة ثانية، وكأن الدول الكبرى الست في حالة سباق في الحصول على هذه الامتيازات الاقتصادية التي عرضها المفاوض الإيراني، مما انعكست على مواقف هذه الدول المتذبذبة بين مؤيدة لإيران وأخرى مخالفه لها.

نقاط الخلاف بين الغرب وإيران: من أهم نقاط الخلاف هي الأبعاد العسكرية للبرنامج النووي الإيراني، والذي طالب المجتمع الدولي طهران بالكشف عن حقيقة هذا البرنامج العسكري، بحيث تفيد المعلومات الاستخباراتية إن الأخيرة سعت لصناعة الزناد للقنبلة النووية، ولا سيما تصميم وتركيب رؤوس نووية على صاروخ شهاب، لذا أدرج الغرب القوة الصاروخية الباليستية الإيرانية ضمن المفاوضات النووية. وعلى ضوء هذه التسريبات يمكننا أن نجمل الخلاف بين الغرب وإيران في النقاط التالية:

أولاً: الخلاف الفني للبرنامج النووي الإيراني:

–      إيقاف مراكز الأبحاث العلمية في المفاعل النووية الإيرانية، والتي من شأنها في حال وجود هذه المراكز البحثية أن توصل طهران إلى غايتها، ألا وهي القنبلة النووية، والسلاح النووي بشكل عام، وهذا ما يرفضه الغرب.

–      فك الحصار الاقتصادي الدولي على طهران مرة واحدة بعد ما يتم الاتفاق بين الطرفين، وهذا ما ترفضه الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

–      الأهداف المحتملة للبرنامج النووي العسكري الإيراني، بحيث تفيد المعلومات المخابراتية الغربية بأن إيران سعت لصناعة القنبلة النووية، وهذا ما تنفيه طهران، لذا يطالب الغرب طهران بالشفافية في هذا الخصوص.

–      تحتفظ إيران بمفاعل أراك النووي الذي يعمل على الماء الثقيل، وهذا ما يخالفه الغرب كلياً، كما طالب الغرب أن يتم تفكيك مفاعل أراك، وكذلك مفاعل فردو في مدينة قم، ولا سيما الحد من أجهزة الطرد المركزي، حيث رفضت إيران هذا المقترح وطالبت بتعديل مسار العمل بهذه المفاعل فقط.

–      ادراج القدرة الصاروخية البالستية الإيرانية في المفاوضات، ورفضت طهران هذا الشرط الغربي بحيث تعتبر طهران أن القدرة الصاروخية الباليستية تدخل في إطار القدرة الدفاعية لإيران.

ثانياً، الخلاف السياسي:

بات جلياً للجميع أن إيران سعت مراراً أن تكسب اعتراف الغرب بأنها الدولة الأقوى في المنطقة، وذلك من خلال زرع المجموعات الطائفية والموالية لها في الدول العربية، والتحكم في القرارات السياسية لهذه المجموعات، فكان تصريح الرئيس حسن روحاني في الأيام الأخيرة فيما يخص الأحداث في العراق، هو خير دليل على حقيقة النوايا الإيرانية في دعمها للمجموعات العربية الموالية لها، عندما ربط استعداد طهران للعمل مع واشنطن لمحاربة داعش بملف إيران النووي، وهذا المسعى الإيراني أيضاً تم رفضه من الغرب، ناهيك عن المعارضة الخليجية لأي دور إيراني في المنطقة على حساب مصالحها القومية.

وفي ظل هذه الخلافات الجوهرية من الصعب جداً أن يصل الغرب مع إيران إلى اتفاق نهائي، وإذ حصل هذا الاتفاق سوف يكون اتفاقاً هشاً قد ينهار في أي لحظة، لكن ما يهم طهران في هذه المرحلة أن تحصل على اتفاق ولو مرحلي كي تتمكن من ترتيب اوراقها الداخلية.

وعلى ضوء هذه الخلافات، أكد وزير خارجية إيران بعد انتهاء مفاوضات فيينا يوم الجمعة الماضي 21/6/2014، بأنه توجد خلافات كبيرة حول مضمون الاتفاق الشامل النووي، وأسلوب تحريره، وأضاف محمد جواد ظريف في هذا الخصوص، “عملنا في هذه الجولة على صياغة الاتفاق لكن لا يمكن القول، إن هناك نصاً موجوداً”. كما أردف الوزير الإيراني قوله، “إذا لم يجر التوصل إلى أي اتفاق في فيينا، يحق لنا أن نعود إلى سياسات ما قبل جنيف”، وهذا إن دل على شيء يدل على أن قبول الرئيس روحاني بالاتفاق المؤقت بعدما استلم الحكم في طهران كان ضرورة النظام الذي بدأ ينهار اقتصادياً.

وعلى الرغم من إصرار طهران المضي في مشروعها النووي المثير للجدل، إلا أنها تسعى في الأساس أن تكون شرطي المنطقة العربية من جديد، وهذا ما يمكن الولي الفقيه أن يتربع على عرش المنطقة، وعندها سوف تفرض طهران وبالقوة مشروعها النووي العسكري على الغرب. فالعلاقة بين مشروع إيران التوسعي الطائفي في المنطقة العربية الذي أخذ من الإسلام عنواناً له، ومشروع إيران النووي الذي يتحكم فيه الحرس الثوري علاقة عضوية مكملة لبعضها بعض.

 

جمال عبيدي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق