الشهداء وتعزيز روح الاتحاد

في ظل بيئة الإمارات التي تنعم بالاستقرار والسلام والتنمية، يكون وقع الأحداث الاستثنائية مؤثراً بشكل مغاير لوقع مثلها في الأقطار الأخرى، لأن شعب الإمارات تعود منذ قيام دولة الاتحاد على الأخبار السارة والانشغال بالإنتاج والعطاء دون عوائق أو منغصات.

وكان وقع نبأ استشهاد نخبة من جنودنا الشجعان في اليمن مؤثراً، ولأن البيت الإماراتي متوحد ومتماسك فإن استشهاد أولئك الأبطال كان فاجعة لامست قلب كل مواطن إماراتي، وكان مشهد وصول جثامينهم الطاهرة ملفوفةً بالعلم الوطني مؤثراً للغاية، وهو مشهد أيقظ داخل كل إماراتي مشاعر الانتماء للوطن والفخر بجيش الإمارات. وبدورها كانت قيادة الإمارات حاضرة بكل ثقلها في هذا الحدث الجلل وقريبة من أبناء الشعب من خلال المشاركة المباشرة في مخيمات العزاء ومواساة ذوي الشهداء وعائلاتهم، والإصغاء للانطباعات والمواقف التي عبرت عن الروح الجماعية للإماراتيين وفخرهم بوطنهم وجيشهم وقيادتهم.

الحزن والأسى لرحيل أولئك الأبطال امتزجا بمشاعر وطنية عالية تقاسمها الشعب مع القيادة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. ورغم الشعور بالصدمة لرحيل شهدائنا، فإن استشهادهم بعث في الإمارات روح الاتحاد وجعلنا نستعيد القوة المعنوية الكامنة في اتحادنا ونعيش مشاهد معبرة عن تلاحم الشعب الإماراتي وتكاتفه، فصار نبأ استشهاد مقاتلينا الأشاوس حديث الشارع الإماراتي وجل اهتمامه خلال الفترة الماضية.

وأعتقد أنه لابد من الوقوف عند نقاط هامة في التعامل مع هذا الحدث وأصدائه، سواء على مستوى استكمال مهمة الانتصار في المعركة ضد الحوثيين المجرمين، أو على مستوى اتخاذ إجراءات عملية تتجاوز التعاطف والمشاركة الوجدانية مع أسر الشهداء إلى رعاية ذويهم وأبنائهم، لأن تضحيات الأبطال الراحلين كانت كبيرة وهم يستحقون منا جميعاً كل الاهتمام.

وإذا كان شهداؤنا الأبطال قد قاموا بواجبهم الوطني على أكمل وجه ورحلوا بهامات مرفوعة، فإن الشعب الإماراتي أيضاً كان عند مستوى هذا الموقف الجليل، وأثبت أهالي الشهداء وأقاربهم بطولة إضافية بتماسكهم واعتزازهم بتضحيات الأبطال الذين لبوا نداء الواجب، وكانوا في طليعة من أسهموا في تحرير محافظات يمنية عديدة من شر الحوثيين وإجرامهم.

لاشك أن هناك جوانب عديدة ستتكفل بها الجهات الحكومية المختصة، على المستويات الاجتماعية والثقافية، ومن ذلك الرعاية الكاملة لأسر الشهداء، فهذا أمر محسوم من قبل قيادة الدولة، لكن يبقى التأكيد على دور بعض الجهات في تعزيز الشعور بالفخر والانتماء للإمارات وهويتها، وأولى هذه الجهات قطاع التعليم على مستوى المدارس والجامعات، فهذا هو الوقت المناسب لإذكاء المشاعر الوطنية في أوساط الشباب الإماراتي. كما تتحمل المؤسسات الإعلامية مسؤولية كبيرة لتكثيف الجانب التوعوي وإبراز دور القوات المسلحة في حماية الأمن الوطني للإمارات ولمنطقة الخليج العربي، لكي يستوعب الجمهور أن تضحيات أبطال الإمارات تأتي في صميم مهمتهم الوطنية التي تعتمد على استراتيجية استباقية لحماية أمن الإمارات والخليج من أي تطفل خارجي.

إن كل مؤسسات الدولة معنية بالتعامل مع الحدث بكامل طاقتها، ومن المهم تكثيف الوعي بالتآزر لتقديم درس جديد في حب الوطن والوفاء لتضحيات الشهداء. فهذا هو الوقت المناسب لتعزيز قيم الولاء الوطني، لأن الشعوب تختبر مدى صلابتها وقوة عزيمتها في أوقات الشدائد والمحن، وقد أثبت شعب الإمارات في محطات عديدة مدى تلاحمه وتآزره، ومدى ولائه للوطن وللقيادة التي تتبادل مع الشعب الوفاء وقيم التضامن والمشاركة الإنسانية الراقية.

ما يميز الإمارات أنها انتهجت منذ قيام الاتحاد خيار الاستقرار والتنمية والاستدامة، اهتماماً منها برفاهية المواطن وبتسهيل شؤون حياته.. وتعزز هذا الخيار بتطور المؤسسات الحديثة والنظم والقوانين، وبتوفر الأمن بفهومه الشامل الذي كان وسيظل أساس الرخاء والازدهار في الدولة. وللحفاظ على هذه المكتسبات ضحى شهداؤنا بأرواحهم، وهذا ما ينبغي إبرازه في حملات التوعية الوطنية.

نقلاً عن مركز المزماة الدراسات والبحوث

 بقلم: د.سالم حميد

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق