السودان في خيارها الأفضل: الابتعاد عن إيران والتقرب إلى الخليج

في الثاني من سبتمبر الجاري أقدمت الحكومة السودانية على اتخاذ قرار صارم في حق الدبلوماسية الإيرانية، وذلك بإغلاق جميع مراكزها الثقافية في السودان، وإعطاء جميع العاملين في هذه المراكز مدة 72 ساعة لمغادرة البلاد، وحسب توقعات وسائل الإعلام السودانية وكذلك وكالة أخبار “رويتر”، فإن الحكومة السودانية أقدمت على هذا التصرف بسبب قيام هذه المراكز الثقافية بنشر التشيع في السودان، وبعد سنوات من العلاقات الحميمة والمتينة بين الخرطوم وطهران، تعتبر هذه الخطوة الأولى التي تقوم بها السودان بغض النظر عن الأسباب، بمثابة ضربة قوية للنفوذ الإيراني في منطثة شمال أفريقيا، وكذلك فإن الأبعاد المعنوية والإعلامية لهذه القضية يمكن أن تنبه وتنفر الرأي العام العربي أكثر من ذي قبل بالتدخلات الإيراني في المنطقة من أجل تحقيق أهدافها الأيديولوجية.

 

تاريخ النفوذ الإيراني في السودان:

بعد الثورة الإيرانية عام 1979م أصبحت القارة الأفريقية وخاصة السودان من أهم المناطق المستهدفة من قبل النظام الإيراني من أجل تصدير الثورة الشيعية الفارسية، ويمكن تقسيم النفوذ الإيراني في السودان إلى ثلاثة مراحل: المرحلة الأولى تمتد من بداية الثورة الإيرانية حتى عام 1985م، وفي هذه المرحة كان النفوذ الإيراني يسري في الدول الأفريقية وخاصة السودان عن طريق السفارات الإيرانية في تلك الدول دون إنشاء مؤسسات مستقلة.

وفي المرحلة الثانية، أي بعد عام 1985م أصبح النفوذ الإيراني في السودان أكثر تماسكا، وأصبح هناك العديد من المؤسسات تنشط بصورة مستقلة خارج نطاق الاتصال مع السفارة الإيرانية في السودان، ومن أهم هذه المؤسسات، تلك المؤسسات الحكومية التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، ومنظمة الدعوة الإسلامية، والجمعية العالمية لأهل البيت، وجمعية التقريب بين المذاهب الإسلامية، ومنظمة المدارس والحوزات العلمية خارج الدولة، والمركز الدولي للعلوم الإسلامية، وكذلك المنظمات غير الحكومية التابعة لمكاتب بعض المراجع التقليدية، ومكتب الحوزة العلمية في قم، والحرس الثوري، والجهاد … وغيرها، وأستمرت هذه المؤسسات بتوسيع أنشطتها حتى سبتمبر عام 1995م.

المرحلة الثالثة من النفوذ الإيراني في السودان بدأت بعد شهر سبتمبر من عام 1995م، في هذه المرحلة كان يجب على جميع هذه المؤسسات التي لا تعد ولا تحصى وتعمل بشكل منفصل، طبعا باستثناء وزارة المخابرات، أن تتبع مؤسسة واحدة وتقوم بتبليغها بجميع سياساتها الشاملة، وهذه المؤسسة هي “منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية” التي باشرت نشاطاتها بتأييد من المرشد الأعلى الإيراني، وتوفير كافة الميزات لها، بهدف تنفيذ جميع الأنشطة الثقافية خارج إيران، عن طريق استخدام استراتيجية شاملة، وقد كان لهذه المؤسسة تأثير ثقافي فارسي شيعي أكثر منهجية وفعالية من المؤسسات السابقة، وذلك عن طريق إنشاء ملحقيات و مراكز ثقافية في الدول الأخرى، لذا بعد عام 1995م تم نقل بعض أنشطة المؤسسات سابقة الذكر إلى هذه الملحقيات والمراكز الثقافية، والبعض الآخر تم تحويله إلى عهدة وزارة المخابرات الإيرانية، مع العلم أن العديد من تلك المؤسسات مثل المركز العالمي للعلوم الإسلامية، ومنظمة المدارس والحوزات العلمية خارج الدولة، قد واصلت أعمالها ونشاطاتها كما كانت، ولكن تحت إشراف “منظمة الثقافة والعلاقات  الإسلامية”.

وبعد عام 1995م، تابعت المخابرات الإيرانية في السودان في ظل الأنشطة غير الرسمية، أعمالها بشكل قانوني وعن طريق مؤسستين رسميتين هما:

1 – المركز الثقافي نيابة عن “منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية”.

2 – معهد الإمام الصادق نيابة عن “منظمة المدارس والحوزات العلمية خارج الدولة”.

تدعي منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية أن الهدف من أنشطتها الثقافية في السودان هو نشر الثقافة الإسلامية، ولكنها تقصد بالثقافة الإسلامية مذهبها الشيعي القائم على تعاليم العرق الفارسي، ويبين محمد حسن أختري مستشار الشؤون الدولية لمكتب المرشد الأعلى، والأمين العام للجمعية العالمية لأهل البيت، أهداف هذه المنظمة على النحو التالي: “إن مهمة الملحقيات الثقافية والعاملين فيها هي تحقيق رسائل وتوجيهات المرشد الأعلى، فهي زبدة الإسلام وتبيين التشيع، وكذلك الربط بين قائد الثورة والشخصيات المهمة في تلك الدول المتواجدة فيها هذه الملحقيات”.

ومن أنشطة منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية أيضا تمهيد الطريق وتوفير الأجواء الضرورية لعمل المركز الدولي للعلوم الإسلامية، فهذا المركز ينشط يشكل استخباراتي في السودان بالنسبة لتحديد الإمكانيات والمواهب التي يحضرها إلى إيران، ويتم إعدادها في برنامج تشيعي في المركز الدولي للعلوم الإسلامية في مدينة قم، ثم إعادة هذه المواهب مرة ثانية إلى بلادهم ليقوموا بتطبيق السياسات الإيرانية في السودان، وهؤلاء الأفراد ينشطون ويعملون كدعاة معتمدين من قبل إيران ويتقاضون رواتبا شهرية من المركز الدولي للعلوم الإسلامية، ومازال هذا المركز حتى الآن يقوم باختيار الكثير من الطلاب السودانيين وإرسالهم إلى قم للدراسة ثم إرجاعهم إلى بلدهم.

كما ويعتبر جذب الطلاب السودانيين وإعطائهم منحا دراسية من أجل إكمال تعليمهم في بعض الجامعات الإيرانية مثل جامعة الإمام الحسين، وجامعة الإمام الصادق، من أهم أعمال وأنشطة المركز الدولي للعلوم الإسلامية في السودان.

ومن المؤسسات التي تركز على اللغة الفارسية، وتعتبر بشكل صريح نشر اللغة الفارسية في البلدان الأخرى من أهم أهداف برامجها “قسم الشؤون الدولية في وزارة العلوم”، وهذا القسم ينشط بشكل فعال في السودان، إذ يقوم بعقد دورات قصيرة الأمد من أجل تعليم اللغة الفارسية للسودانيين، وتدريس التاريخ الإيراني وفقا لتعاليم القومية الإيرانية والعنصرية الفارسية والفوقية الآرية بروح معادية للعرب.

زيادة طرد الدبلوماسيين الإيرانيين والعاملين في المراكز الثقافية الإيرانية في السنوات الأخيرة:

بسبب الممارسات الثقافية الإيرانية الضارة والتخريبية في البلدان الأخرى من قبل الملحقيات الثقافية، والتي في الواقع تهدف إلى نشر التشيع والقومية الفارسية، تم إغلاق العديد من هذه الملحقيات وطرد العاملين فيها في السنوات الأخيرة، وفي ما يلي نشير إلى قرارات الطرد التي حصلت في حق الدبلوماسية الإيرانية بسبب نشاطها الثقافي فقط وليس بسبب أنشطتها السياسية:

1 – طرد اثنين من الدبلوماسيين الإيرانيين من البوسنة عام 2013م.

2 – طرد الملحق الثالث العامل في الممثلية الإيرانية في القاهرة عام 2011م.

3 – طرد القائم بالأعمال الإيرانية في البحرين عام 2011م.

4 – طرد ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين من الكويت عام 2011م.

في حين فإن إيران لا تسمح لأي دولة كانت بأي حالة من الأحوال أن تمارس أي نشاط ثقافي، وحتى في معرض طهران الدولي للكتاب والذي يعقد سنويا، تقوم بحملة على دور النشر السنية لتجمع الكتب التي تتحدث عن السنة والثقافة العربية، وتتعامل معها بشدة، ولكنها نفسها تجد أجواء مريحة في البلدان الأخرى لتصدير تعاليمها الشيعية المستمدة من العنصرية الفارسية، وتلك الدول لا تشعر بخطئها إلا بعد أن ترى قد تشكل في داخلها أحزاب من عشرة آلاف عنصر مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، فيمكن للدول العربية أن تطلب من إيران أن تقوم بفتح ولو مركز ثقافي واحد فقط في الأحواز أو كردستان أو بلوشستان، وقتها ستقارن حساسية إيران وردة فعلها من هكذا إجراء، وحريتها الكاملة في إقامة جميع أنشطتها الثقافية في الدول الأخرى.

الخلاصة:

بقيت السودان تحظى بأهمية كبيرة من قبل إيران، فالسودان بسبب موقعها الجيوسياسي المهم، كانت دائما هدفا للنفوذ الإيراني في المنطقة، وفي هذا الخصوص يقول قائد البحرية الإيرانية: “الانسجام والاتحاد الإيراني والسوداني مؤثر جدا لمواجهة العدو المشترك والمتغطرس، وفي هذه الحالة يمكن طردهم من المنطقة، ونحن نقوم برصد جميع تحركات الدول الأخرى في الخليج “العربي” وبحر عمان ومضيق باب المندب”، فالسودان أيضا من بين الدول التي سمحت للسودان بممارسة أنشطتها بحرية داخلها، وقد أقامت إيران قواعد في السودان من أجل تدريب الحوثيين، وترسو السفن الإيرانية المحملة بالسلاح في موانئ السودان من أجل نقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى هذه القواعد.

وفي المقابل تقوم إيران بتدريب الجيش السوداني، ووفقا لتقرير أوردته صحيفة الوطن الكويتية، فإن العسكريين الإيرانيين يقومون بتدريب الجيش السوداني على استخدام الطائرات دون طيار “أبابيل”، ونقلا عن صحيفة الوطن الكويتية، فإن بعض المصادر المقربة من الأجهزة الأمنية الأجنبية قد نقل بأن طائرات تابعة لإيران تقوم بعمليات استطلاعية وتدريبة في السودان، وتحضر قوات من حزب الله في هذه الأنشطة والتدريبات.

وفي النهاية وبسبب الإجراءات الإيرانية المناهضة للعرب والمسلمين في السودان، والتي كنا قد أشرنا إليها سابقا، قامت بعض الدول العربية بالضغط على السودان من أجل تقليص علاقاتها مع طهران، لذا يمكن اعتبار رفض السودان إقامة درع صاروخي إيراني في البحر الأحمر استجابة لتلك الضغوط ومن أجل التقرب إلى دول الخليج، وكذلك فإن إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان وطرد العاملين فيها يأتي في هذا الإطار، كاستجابة للأحداث التي تمر بها المنطقة، والاصطدامات القائمة بين إيران والدول العربية، كما ويعتبر إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان هزيمة أخرى لها أمام الدول العربية، وفشل آخر في تطبيق سياساتها الفارسية التوسعية.

قيس التميمي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق