السعودية ومصر تشتركان في إعادة التوازن إلى المنطقة العربية

السعودية ومصر تدركان أن الاتفاق النووي بين إيران والغرب، خصوصا بعد التصريح الذي أدلى به أوباما لمجلة نيويوركر، الذي أوضح فيه بأنه يعتقد بأن المشاركة السياسية لإيران سيجعلها معتدلة مع الوقت بهدف الوصول إلى التوازن الجديد بدلا من الدينامية المؤذية التي كانت سائدة في عهد بوش الابن وكأن إيران الآن غير مؤذية.

بينما يرى منتقدي أوباما، أنه يريد تشجيع، وزيادة إمكانات إيران كقوة إقليمية ناجحة، وكصديق، وشريك للولايات المتحدة، قبل الانسحاب من المنطقة جزئيا وقد يكون بالكامل، وهو متحمس للتخلي عن التحالفات طويلة الأمد، ما يعني أن الاتفاق النووي يقود إلى شرق أوسط جديد، بينما يعتبرها البعض أنها عبارة عن مساومة مع الشيطان الأكبر.

لكن يرى طرف آخر، أن هناك أربعة أماكن تتناقض فيها العلاقات بين الطرفين، ففي لوزان السويسرية حضرت الوفود الأميركية والإيرانية متخفية بغطاء الشراكة الدبلوماسية، وفي تكريس العمل بين البلدين، في حلف غير معلن، حرب ضد داعش، ضربات جوية تديرها الولايات المتحدة، وقوات برية غير نظامية تديرها إيران.

سبق أن حذر كسينجر واشنطن من أن النظام الإيراني لن يتخلى عن طموحه لإعادة السيطرة على المنطقة، بل هناك تقارير أمريكية ترى أنه من الضروري التخلص من النظام الإيراني ووكلائه نشره موقع (أمريكان ثينكر)، بسبب أن طبيعة النظام الإيراني لديه طموحات تدميرية، وغير إنسانية، التي يتخذها ملالي إيران، والقوى الموالية لهم، وكشفت قواتها الموالية لها في محاربة داعش في العراق تسعى لتطهير هذه المناطق من أهلها، عبر ارتكاب المجازر الجماعية، إضافة إلى توسيع نفوذها في العراق، في ظل غياب استراتيجية واضحة من الغرب لمحاربة الجماعات الجهادية.

العلاقات السعودية المصرية تسامت فوق كل خلاف مهما كان حجمه، بسبب أن السعودية ومصر هما قلب ومحور العالم العربي، ورغم الحرب بالوكالة بين مصر زمن عبد الناصر والسعودية في اليمن في الستينات من القرن المنصرم، إلا أن السعودية كانت أكبر داعم لمصر في مؤتمر الخرطوم بعد هزيمة 1967، وكانت أكبر داعم لمصر في حرب 1973، وبعد أزمة كامب ديفيد عام 1979 زمن السادات نتج عنه شقاق عربي عربي، قادت السعودية جهود عربية لإعادة العلاقات العربية مع مصر.

اليوم تعود الرافعة السياسية والعسكرية والاقتصادية بين البلدين، لإعادة إنتاج التوازن في المنطقة، بعدما غاب الدور العربي، وترك فراغا استراتيجيا، تم ملؤه بدول إقليمية خصوصا إيران، وبجماعات متطرفة على رأسها داعش.

زيارات استراتيجية جرت بين البلدين على أعلى مستوى بين القيادتين، من أجل النهوض بمشروع عربي، والعمل معا من أجل تحقيق الأمن العربي والإسلامي.

الرياض تخوض مرحلة إدارة التناقضات، وهي غير مفهومة للبعض، كنمو العلاقات التركية السعودية في جبهة سوريا، رغم التوتر بين القاهرة وأنقرة، ولا تزال الفجوة كبيرة بين الجانبين بل تزداد في جبهة ليبيا، إلى جانب تنمية العلاقات الروسية السعودية، رغم إصرار موسكو على بقاء الأسد، وفي نفس اللحظة تقود السعودية تنمية علاقاتها مع واشنطن ضمن حوار استراتيجي مكثف من خلال عدد من اللقاءات.

السعودية ومصر تطمحان إلى تشكيل أسطول بحري عربي مشترك نواته السعودية ومصر، أسطول قادر على التصدي للتحديات التي تمر بها المنطقة العربية، لتحصين الهويات الوطنية العربية، التي بدأت تذوب وتتلاشى، نتيجة النفوذ الإيراني، عبر وكلائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن والكويت والبحرين.

وإعادة السلطة في الدول المنكوبة، التي بدأتها السعودية باليمن، وفي سوريا ولبنان، وفي العراق بدأت الآن المظاهرات العراقية بجميع مكوناتها لاسترداد الهوية العراقية الوطنية، مع حماية الهويات الوطنية القائمة، كما في الكويت والبحرين بعيدا عن عقلية الإقصاء والثأر، وترك القانون بمفرده يتولى الحكم على كل من تثبت إدانته.

تسعى السعودية ومصر إلى شراء سفينتين ميسترال حربيتين، بعدما تراجعت فرنسا عن عقد كان يقتضي بيعها إلى روسيا نتيجة الأزمة الأوكرانية، تستخدمان كحاملتين للطائرات المروحية لتكونا نواة للقوات البحرية التي من المخطط أن تتبع القوة العربية المشتركة في المستقبل.

تطمح السعودية ومصر إلى بناء أسطول بحري قوي، يمكن الدولتين الحليفتين من تشكيل أكبر قوة بحرية إقليمية في البحر الأحمر والمتوسط، تكون لها مهام في فرض السيطرة البحرية على المضايق البحرية والممرات المائية الهامة، بالإضافة إلى المساعدة في تنفيذ عمليات عسكرية ضد العمليات الإرهابية.

بل سلمت واشنطن القاهرة 5 قطع ضمن صفقة لتصنيع 125 دبابة بقيمة 395 مليون دولار، وتستأنف أميركا الإنتاج المشترك لدبابات ( أبرامز ) مع مصر، بعد توقف عامين، ووقعت أيضا الولايات المتحدة اتفاقيات أمنية وعسكرية مع دول الخليج لردع التهديدات الإيرانية، وتسريع مبيعات الأسلحة، وتبادل استخباراتي كما يتم في اليمن، ودمج أنظمة الدفاع الصاروخي في الاجتماع الذي جرى في الدوحة في 3/8/2015.

البحرية الإيرانية التي عانت من هزيمة على أيدي القوات الأمريكية عام 1988، فهي تفتقر إلى حاملات طائرات وبوارج مدمرة ثقيلة، لذلك هي تستعيض عن تلك ما يعرف بالاحتشاد، وهي القوة المكونة من مئات القوارب الصغيرة السريعة المخصصة لمهاجمة القطع البحرية، وتمتلك البحرية الإيرانية 26 غواصة، بما في ذلك 3 غواصات روسية من طراز كيلو الهجومية، و12 غواصة صغيرة.

إيران اليوم تنفذ طموحات نادر شاه في القرن ال 18 الذي اشترى أربع سفن حربية من القوى الأوربية، وعين لها الكابتن البريطاني كوك مستشارا للشؤون البحرية، ثم شن قائد القوات البحرية وقتها الأميرال لطيف خان سلسلة من الغارات البحرية التي انتهت بالاستيلاء على البحرين، مع غزو قصير لمسقط ، لكن مسقط تدين لشاه إيران محمد رضا بهلوي في بداية عقد السبعينات، عندما أرسل قوة تدخل سريع لسحق التمرد الشيوعي المدعوم يومذاك من اليمن الجنوبي في إقليم ظفار بغرب عمان.

قادت الصحوة السعودية في اليمن، إلى صحوة عربية تقودها السعودية ومصر لإعادة هندسة البنيان الاستراتيجي العربي، الذي لا يمكن أن يقوم دون التقاء سعودي مصري، لإقامة توازن أمني في مواجهة تمادي الاختراق الإيراني عبر مليشيات الحوثي على حدودها، وعبر مليشيات حزب الله في لبنان ودول الخليج في الكويت والبحرين.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق