السعودية لاعب أساسي في تشكيل التوازن الاستراتيجي الإقليمي

السعودية لاعب أساسي في تشكيل التوازن الإستراتيجي الإقليمي

فشل كثير من الإعلاميين والكتاب والمثقفين عن عمد وخبث أو عن جهل في فهم التصور الإستراتيجي للملك سلمان بن عبد العزيز ولم يدركوا بأن العلاقات بين الدول لم تعد تبنى على أساس علاقات خاصة أو عامة كما يعتقد البعض منهم والذين لا يزالون يفكرون بعقلية فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

علاقات الدول تبنى على إستراتيجيات دول مدروسة تراعي فيها جميع التحديات بعيدا عن جميع المؤثرات، التي تحاول أن تؤثر على توجيه تلك السياسات من أجل أن تصب في صالح سياسات محددة أي أنهم لم يبنوا مواقفهم أو ضغوطهم إذا شئنا أن نسميها على دراسات إستراتيجية بل كانت مبينة على مراهنات وتوقعات بينما سياسات الدول لا تبنى هكذا.

السعودية بقيادة الملك سلمان يثبت لهؤلاء مهما كانت مواقعهم أو تسمياتهم أو تأثيرهم في الوسط الإعلامي الذي بات لديه تأثير كبير جدا على الشعوب عامة ومثقفين بأن سياسات السعودية تمتلك رؤية إستراتيجية، ولن تقبل أن تكون ضحية عقول إعلامية تكتيكية، بل إن السعودية تمتلك تصور إستراتيجي شامل لمواجهة تلك التحديات التي تعصف بالمنطقة.

تدرك السعودية أن إيران مرتبكة، ولكنها تواصل الانتشار على كافة الجبهات، وتتخذ من سورية ولبنان مسرحا لعملياتها ومساوماتها السياسية، وتريد إيران إشعال فتيل جبهة الصراع العربي الإسرائيلي ردا على تهديدات نتنياهو الذي يحفز الغرب بعدم القبول باتفاق نووي منقوص خصوصا وأن لديه نفوذ في الولايات المتحدة من خلال منظمة أيباك ما جعل إسرائيل تتجه إلى القيام بتمرينات عسكرية في الضفة الغربية لمواجهة أي تهديد يضرب إسرائيل سواء من القنيطرة التي تنشط فيها إيران وحزب الله وهي الوسيلة الوحيد التي يمكن أن تفتح جبهة بعد فشل الاتفاقية النووية مع المجتمع الدولي.

إستراتيجية إيران التي قررت أن تشهر إستراتيجيتها بلا أي التباس أو مواربة تحت حجج محاربة داعش والتكفيريين لذلك يتنقل رجل إيران القوي الذي يقود تلك الإستراتيجية لإدارة المعارك خارج طهران من درعا إلى تكريت وهو يقود جبهة سامراء الآن في العراق بينما يقود هادي العامري جبهة أخرى ما يجعل السنة يتحسسون من قوات الحشد الشعبي ما يجعلهم يفضلون داعش على الحشد الشعبي لذلك نجد أن داعش أحيانا تستعيد بعض المناطق التي فقدتها.

نجد أن قاسم سليماني متجولا في المنطقة ومتفقدا جبهات عديدة ومشاركا ومخططا للقتال، والآن إيران على أبواب السعودية في الجهة الجنوبية بل وفي كافة الجبهات السعودية التي تهدد ليس فقط الأمن السعودي بل والأمن المصري والعربي.

تدرك السعودية أن المنطقة تشهد مفاوضات دراماتيكية حول النووي الإيراني مما يؤثر في أولويات الولايات المتحدة وما تحمله من مضامين متعددة وما تؤول إليه التوازنات الإقليمية التي يمكن أن يعطي أي اتفاق إيران دورا في المنطقة العربية وهو ما نشاهده في لبنان وسوريا واليمن.

تواجه المنطقة ثلاثة تحديات أو تهديدات من إيران والدولة الإسلامية وحركات ما تسمى بالإسلام السياسي، أي أن السعودية تدرك أنها بحاجة إلى تبني إستراتيجيات أشمل تتجاوز ما أفرزته ما تسمى بالثورات العربية حتى تتفرغ لمواجهة التحديات الأساسية وخصوصا إيران التي تمثل أكبر تهديد وهي التي تنشئ المليشيات الشيعية تؤدي إلى ظهور مليشيات سنية أي أن إيران السبب في الصراع الذي يضرب المنطقة وليس فقط الإرهاب.

بعد زيارة الرياض من قبل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، وزيارة محمد بن زايد، والشيخ تميم، والملك عبد الله الثاني، ثم زيارة كلا من الرئيسي السيسي ورجب طيب أردوغان لأكبر دولتين في المنطقة.

 تلك الزيارات كانت فرصة للسعودية في قيادة مرحلة جديدة من الأمن العربي والإقليمي لتشكيل تحالفات تؤدي إلى تشكيل توازنات جديدة في المنطقة تقدم مصالح المنطقة على المصالح الذاتية من خلال تنسيق المواقف.

تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك تبدأ بنواة قوة عربية تطرح أمام القمة العربية التي تعقد في القاهرة نهاية شهر مارس 2015 خصوصا بعدما تجاوز الوضع في اليمن ما يسمى بالمبادرة الخليجية بعدما تشكل هلال إيراني بحري من مضيق هرمز إلى باب المندب بعد تشكل الهلال الإيراني على اليابسة الذي بدأ يحكم قبضته على دول الخليج والسعودية بشكل خاص.

لابد من تدخل عسكري إن فشلت الجهود التي تبذل من قبل دولة عمان، والتي يتوقع أن تستضيف سلطنة عمان الحوار اليمني، فإذا فشل الحوار، فهناك ضرورة من التدخل العسكري على غرار الضربات العسكرية التي وجهتها كل من الأردن في سوريا ومصر في ليبيا ضد داعش لدعم الرئيس هادي.

 الدولتان السعودية ومصر لن تقبلا النفوذ الإيراني في اليمن، لأن أمن مصر مرتبط بأمن الخليج، وسياسة البلدين تجاه إيران نفسها، وهناك مساحات من جزر سعودية مثل تيران وصنافير مؤجرة لدولة مصر.

ستدير السعودية التوازن الإقليمي واحتواء تباين الرؤى بين مصر وتركيا من خلال إقناع مصر بأن تحصر أزمة جماعة الإخوان المسلمين محليا، في المقابل إقناع تركيا بحصر دعم الإخوان محليا دون تقديم أي دعم إقليمي، بسبب أن ليبيا جزء من الأمن المصري العربي، لأن كل من مصر وتركيا لديها أزمات داخلية لا تسمح لأي دولة بالتدخل في الدولة الأخرى وهو يخل بالتوازن الإستراتيجي الإقليمي.

أقنعت تركيا أوجلان بعقد مؤتمر عام في الربيع المقبل ينهي 30 عاما من الصراع المسلح، يفضي إلى اتفاق برائحة انتخابية يقضي بنزع سلاح حزب العمال الكردستاني، وستحين الفرصة المماثلة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر الاقتداء بأوجلان وهو في السجن أن تقود مثله قيادات الجماعة الإخوانية وهي في السجون على غرار أوجلان في السجن.

بدأت تؤتي تلك الإستراتيجية التي تقودها السعودية والتي تبحث عن التوازن الإستراتيجي الإقليمي موافقة الأردن على تقديم ترخيص لجماعة الإخوان المسلمين يفك ارتباطه عن الجماعة الأم في مصر.

أيضا أفضت تلك الإستراتيجية السعودية التي تقود تحالفات إقليمية لتشكيل توازن إستراتيجي إقليمي بجولة لكيري إلى السعودية قبل جولة جديدة من المحادثات الدولية الرامية إلى التوصل لاتفاق حول النووي الإيراني لإطلاع السعودية على بنود تلك الاتفاقية حتى تزيل الولايات المتحدة القلق الذي ينتاب السعودية من أن تحتوي بنود هذا الاتفاق  نفوذا لإيران في المنطقة العربية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق