الخدع السياسية الفارسية تتجدد من ريغان إلى ترامب

قد لا يختلف اثنان على أن العالم العربي بات يعاني من النظام الإيراني وسلوكه، لاسيما تدخلاته السافرة في عدد من البلدان العربية. إلا أن هذا السلوك غير الصحي الذي يتّبعه نظام طهران منذ أربعة عقود هو ذات السلوك الذي تعاني منه الشعوب غير الفارسية في جغرافية إيران السياسية.

وكما يبدو، فإنّ سياسات النظام الإيراني الممزوجة بالكذب والمراوغة والخداع في الكثير من الأحيان، لاسيما التمويه، باتت ظاهرة بل صفة يمتاز بها عن غيره من أنظمة الإقليم. وبطبيعة الحال كلما اشتدت الأزمات كلما لجأ هذا النظام للتمويه والخداع حالما تتسنى له الظروف المناسبة للعبور من أزماته.

والملفت في هذا السياق، أنّه في الأسابيع الماضية تناولت بعض من وسائل الإعلام الفارسية الموجودة خارج الحدود الإيرانية، وكالعادة أتبعتها بعض من القنوات الإعلامية العربية، خبراّ (بغض النظر عما إذا كان الخبر صحيحاً أم لا) مفاده أنّ قيادياً إيرانياً قام بإرسال رسالة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يخبره على أن الوضع الصحي للمرشد علي خامنئي يتدهور، والأخير على وشك الموت. لذا، لابد من التريث قليلاً، وقد يؤدي تشديد العقوبات على طهران إلى الإضرار بموقف ومساعي المعتدلين في النظام الجمهوري الإسلامي الرامية لإصلاح الدولة الإيرانية، وخليفة المرشد لن يكون كما كان علي خامنئي، وقد لا يملك تلك الصلاحيات التي كان خامنئي يتمتع بها، وعلى الأرجح فإن مكانته ستكون على غرار تلك المكانة الدينية التي يتمتع بها آية الله السيستاني في العراق!

هذه الخدعة تذكرنا بتلك التي قام بها صناع القرار في طهران أواخر عهد خميني في الثمانينيات من القرن المنصرم، بأنّ الرجل على وشك الموت، وفي حال أقدمت الإدارة الأمريكية على دعم موقف المعتدلين في إيران، فإنه من الممكن أن يمسكوا بزمام الأمور في طهران. وإذا لم يمت الخميني فنحن -أي من قام بأرسال الرسالة للرئيس الأمريكي رونالد ريغان- سنقوم بقتله. تلك الرسالة، أو بالأحرى تلك الخدعة إذ صح التعبير، كانت في ظروف سياسية وأمنية واقتصادية شبيه جداً بالظرف السياسي الذي تمر به إيران اليوم. بحيث كانت الدولة الفارسية في أواخر عهد خميني على وشك الانهيار، خاصة في السنة الأخيرة من حرب السنوات الثمان، حيث تجرع المرشد الفارسي السم العربي (حسب وصف المرشد).

واللطيف في الأمر، أن هذه الخدعة السياسية كان قد أوصلها للرئيس الأمريكي رونالد ريغان السيناتور الأمريكي روبرت مك فارلين، عرّاب صفقة بيع الأسلحة الأمريكية لطهران، مقابل الإفراج عن الرهائن الأمريكان المخطوفين من قبل حزب الله الإيراني في لبنان، والتي عرفت في تلك الآونة في الصحافة الغربية بـ «إيران كونترا» -أي Iran Contra affair)-.

وبالنظر للمشهد السياسي الإيراني داخلياً وخارجياً منذ إيجاد إيران الحالية وخاصة في العقود الأربعة المنصرمة، فإننا نجد الكثير من الخدع السياسية التي غيّرت مجرى التاريخ في هذا البلد المزعِج للإقليم برمته، ومن هذه الخدع ذات الطابعين الخارجي والداخلي، مجيء حسن روحاني صاحب الوجه الضاحك -أبو المفتاح-. فكان روحاني ضرورة ملّحة جداً للنظام؛ لأن الوضع الاقتصادي جراء العقوبات الدولية المفروضة على طهران بسبب نشاطها النووي العسكري المثير للجدل قد تدهور، والإفلاس طال الكثير من الشركات الصناعية الحكومية والخاصة في آن واحد، ولاسيما تلك المطالبات الشعبية ذات الطابع القومي والسياسي، التي بات معضلة حقيقية للمركز الإيراني، والتي مازالت مستمرة حتى يومنا هذا.

وأما قصة المفتاح الذي لوح به حسن روحاني عندما دفعه الثعلب المغدور والمتوفى هاشمي رفسنجاني في عام 2013 ليرشح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية الإيرانية، فكانت الغاية منها مغازلة الإدارة الأمريكية، والإيحاء لواشنطن بأن طهران هذه المرة جادة لفتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة، لعل وعسى أن يتمكن روحاني من رفع الحصار الاقتصادي المفروض على بلاده بأي ثمن وبأية طريقة ممكنة؛ لأن الاوضاع الاقتصادية الصعبة والمتردية جداً أجبرت الكثير من الورشات الاقتصادية الصغيرة والكبيرة أن تعلن عن إفلاسها. وكانت الشركة الوطنية الإيرانية للنفط والغاز، والتي تعتبر المصدر الأساسي والأهم والوحيد لإيرادات الدولة، آخر الشركات التي تم الإعلان عن إفلاسها وذلك بتاريخ 26/11/2013. وبالتالي، على الرغم من التنازلات المؤلمة جداً، إلا أن الجانب الإيراني توصّل لاتفاق نووي مع الغرب حَفِظ من خلاله استمرارية النظام الذي يُعتَبر الهمّ الوحيد لقادة طهران.

وبالعودة لقصة «أبو المفتاح» حسن روحاني، كان قد أرسل الرئيس الأمريكي ريغان وفداً سياسياً وأمنياً رفيع المستوى بقيادة مستشاره للأمن القومي روبرت مك فارلين، في الثمانينيات من القرن المنصرم على متن طائرة إيرلندية محملة بنماذج من الأسلحة الأمريكية التي تم شحنها من مخازن الأسلحة الإسرائيلية للإفراج عن الأمريكيين السبعة المخطوفين في لبنان. كما أرسل ريغان مع مستشاره للأمن القومي، هدايا ذات مغزى للنظام الإيراني، ومنها الكتاب المقدس (الإنجيل) الذي وقّع رونالد ريغان على الصفحة الأولى منه، وقطعة من الحلوى «الكاتو» وضع عليها شكل المفتاح، وليستلم هذه الهدايا حسن روحاني المستشار الأعلى للسياسة الخارجية الإيرانية والبرلماني في تلك الفترة ورئيسها الحالي. حيث أراد ريغان إيصال رسالة من البيت الأبيض لطهران مفادها إعادة العلاقات البينية، والتي تأثرت بعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979. لذا، اختار حسن روحاني المفتاح كشعار لحملته الانتخابية في عام 2013 ليلوّح به لعل وعسى أن تصل الرسالة لإدارة باراك أوباما التي نخرتها ناياك، اللوبي الإيراني في واشنطن بالطول والعرض.

إذاً، بالنظر للوقائع الثلاث المذكورة أعلاه -أي الخدع السياسية الإيرانية للإدارات الأمريكية- ولطبيعة النظام الذي تسلّق على أكتاف الشعوب وسرق ثورتهم في عام 1979، فإننا نستشف بأن هذا النظام لا يمكن الوثوق به أبداً، ولاستمراريته في الحكم قد يفعل ما لا يتصور المرء. وأما خلاصة القول، فإن تفكيك جغرافية إيران السياسية باتت ضرورة حتمية لابد منها، بهدف تصحيح هذه الجغرافية السياسية التي تشكلت في بداية القرن المنصرم من خلال احتلالات عسكرية، وبمساعدة دولية.

جمال عبيدي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق