التغيير الديموغرافي في سورية برعاية إيرانية

استعان عراقيون معارضون من السنة والشيعة بأمريكا لمجرد التخلص من نظام صدام حسين الاستبدادي بالغزو الأمريكي، التي وجدته إيران فرصة في تقديم الخدمات اللوجستية لهذا الغزو الذي رفضته كافة الدول العربية والإسلامية وحتى العالمية سوى بريطانيا، ثم انحرفت إيران بعدما رحبت بأمريكا في التخلص من صدام حسين بأن اعتبرتها دولة غازية بعدما ضربت أمريكا العراق لإرعاب العرب والسعودية بشكل خاص، الذين روعوا أمريكا رغم أن هناك في الدوائر السياسية داخل الولايات المتحدة من يرى أن ضرب إيران أولى من ضرب العراق التي تحدت أمريكا في عهد الخميني، لكن اللوبي الإيراني في الحزبين استطاع أن يثني الولايات المتحدة عن توجيه ضربة لإيران بل كان له دور في الاتفاق النووي من أجل إقامة تحالف وصداقة، وهناك من يروج بأن إيران حضارة مقارنة بالصحراء التي خرج منها العنف، خصوصا وأن أمريكا لم تعد قادرة على التدخل عسكريا في الشرق الأوسط زمن أوباما وأنه لابد من إعطاء القوي على الأرض دورا وهي إسرائيل وإيران وتركيا ولكنها استبعدت السعودية ومصر، لكن فاجأت السعودية أمريكا وروسيا بعد ذلك.

وبدأت إيران تقاتل أمريكا في العراق عن طريق القاعدة والمليشيات الشيعية حتى تمكنت أمريكا من تشكيل الصحوات الذين حاربوا القاعدة، لكن تمكنت إيران عبر المالكي من تفكيك الصحوات واتهام السنة بالإرهاب رغم أن وصول المالكي للسلطة كان عبر تفاهم أمريكي إيراني من أجل فقط تعظيم دور الشيعة في السيطرة والهيمنة على مقدرات العراق التي تراعي المصالح والدور الإيراني.

رغم ذلك فشل المالكي في تفتيت الكتل الكبرى التي تشكلت بعد الغزو، وإن كان نجح في استمالة عدد من الكتل الصغيرة بدر والفضيلة والإصلاح التي رفعت رصيده من المقاعد إلى نحو 112 مقعدا في ذلك الحين، لكنه كان يحتاج إلى تأمين بقية المقاعد حتى يتوصل إلى الأغلبية السياسية التي يدعو إليها بحصوله على 165 مقعدا.

فالخريطة السياسية في العراق أدت إلى تناسل خرائط جديدة، فالمالكي كان يراهن على قاعدة الأغلبية العددية داخل المكون الواحد، ربما بالرهان الإقليمي كما حدث في الولاية الثانية بدعم كل من إيران والولايات المتحدة، ولكن الظروف الإقليمية والدولية  اختلفت، خصوصا بعدما هدد البرزاني باللجوء إلى الاستفتاء مما يقود فعليا إلى تقسيم العراق وهو ما ترفضه كافة دول الجوار بدون استثناء حتى لا يطالب أكراد إيران وتركيا وسوريا بالانفصال، وهو ما يحدث الآن في شمال سوريا استعدادا لمرحلة الحكم الذاتي، حيث تلعب الولايات المتحدة وروسيا بورقة الأكراد لانتزاع مواقف من تركيا حتى أصبحت تركيا تخير واشنطن وموسكو بينها وبين أكراد سوريا، وهي ورقة ثمينة تظل باقية تلعب بها القوى الكبرى من أجل التواجد في المنطقة، بسبب الابتعاد عن العروبة التي أغرقت العراق والمنطقة في صراع مذهبي وطائفي وما يجمع عدد من مليشيات الحشد الشعبي هو ذاته ما يفتت العراق وهي ولاية الفقيه، لكن هناك فصائل داخل الحشد الشعبي كفصيل سرايا السلام لديها انتماءات عربية أكثر من أتباع ولاية الفقيه المرتبطة بإيران ارتباطا كليا حيث نوايا إيران حثيثة ترغب في تحويل الجزء الموالي لها داخل قوات الحشد إلى مؤسسة ثابتة في الدولة العراقية كحزب الله في لبنان، حيث تناقض الأهداف والأيديولوجيات واختلاف مصادر الدعم مؤشرات انقسام بين فصائل الحشد الشعبي.

 تحاول إيران كذلك إلغاء عروبة سوريا رغم أنها لم تنجح حتى الآن في إلغاء عروبة العراق، وخطوة النهوض يجب أن تبدأ بشيعة العراق مثلما أثبتت قدرتها على منع المالكي التابع لإيران من الحصول على ولاية ثالثة، لذلك ينبغي على العرب التدخل في سوريا لإنهاء الحروب من جهة ولحفظ الهوية من جهة أخرى ولإعادة الإعمار والاستقرار من جهة ثالثة.

يبدو أن الفصائل السورية تنبهت أخيرا إلى ربط حضورها في آستانة ليس فقط بوقف النار بل كذلك وقف خطة التهجير الذي يتبعها النظام السوري المدعوم من إيران وموسكو، التهجير أو الموت قتلا أو جوعا أو عبر تصفيات جماعية على غرار سيناريوهات طبقت في عدد من المناطق في ريفي دمشق كان آخرها التهجير القسري من حلب ووادي بردي وانتقال المسلحين إلى إدلب، الذي قلب الطاولة الجيوسياسية بين الدول الإقليمية والدولية التي تدعم النظام والمعارضة كتركيا وإيران والسعودية وروسيا والتي نتج عنها اتفاقية الآستانة التي بمثابة تنسيق مواقف بين موسكو وتركيا برعاية روسية التي تمسك بخيوط اللعبة في سوريا حتى الآن، رغم اجتماع حدث لأول مرة بين رؤساء أركان تركيا وأميركا وروسيا في أنطاليا من دون إيران في 8/3/2017، من أجل تنسيق جهود الدول الثلاث في مواجهة داعش، لذلك نجد إيران عبر مليشيات  النجباء على لسان المتحدث هاشم الموسوي من طهران يهدد تركيا ويؤسس فيلق تحرير الجولان لاستعادة مكانة إيران كدولة مقاومة، وهي خطوة تثبت أن مآلات الحشد بعد معركة الموصل وقوع اشتباكات بين الفصائل نفسها أو مواجهة مع جماعات ودول خارجية.

فيما لا يزال التوتر قائما نتيجة معارضة تركيا لمشاركة المقاتلين الأكراد السوريين في القتال ضده، واعتبرت منبج التي تسيطر عليها حاليا قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة هي هدفها المقبل في حملتها العسكرية عبر الحدود السورية، ليس فقط الغرب يتخوف من استمرار ضربات موجة الإرهاب بل حتى روسيا تخطط لإبعاد الإرهاب عن أراضيها، والصين تنسق مع الأفغان لقطع الطريق على العائدين من الرقة والموصل.

تعتمد إيران المقايضة السكانية التي تعدها عنصرا محوريا في تغييرات ديموغرافية داخل سوريا حيث تدفع بشيعة المنطقة للسكن في سوريا تعزيزا لقبضتها، لذلك هي شرعت منذ جنيف 2 في تغيير المشهد الاجتماعي داخل سوريا والعمل على تعزيز معقل حزب الله شمال شرقي لبنان، وهي لا تريد أي مكون سنة في المنطقة ما بين دمشق وحمص والحدود اللبنانية، حيث كان قبل الغزو الأمريكي اندماج بين السنة والشيعة خصوصا في العراق، لكن إيران تريد أغلبية شيعية وأقلية سنية مهمشة.

 نجحت إيران في التلاعب بالذاكرة والهوية كمصدر للصراعات في المنطقة، وتريد تحويل المنطقة إلى عصر الهويات المتقوقعة التي تتحول إلى تجمعات طوائفية مرعوبة وخائفة من مصيرها ومن مستقبلها، بل نجحت إيران في تصدير النزاع حول الجذور في بناء أسطورة هوية جديدة معتمدة على الذاكرة والتاريخ التي ينتج عنها نشأة الصراعات، بل تريد إيران أن تسقط الشيعة بمستنقعها.

موجة العنف السياسي التي تضرب المنطقة العربية، هي بحاجة إلى الإصلاح الذي لا يتحقق في ظروف نزاعية مسلحة بين السلطة ومكونات المجتمع التي تعتبر السلطة غير شرعية بعدما قتلت شعبها كما النظام في سوريا بعدما تحالف النظام مع مشاريع خارجية وفي نفس الوقت تتهم السلطة مكونات المجتمع، بالتحالف مع دول إقليمية تدعمها بالسلاح، خصوصا في ظل غياب تهالك الجامعة العربية بسبب أن الاضطرابات العربية ضربت عددا كبيرا من الدول العربية، ففرغتها من تماسكها وقوتها، وأصبحت متآكلة وهشة لأنها لا تمتلك ناتو وكانت الصراعات تهيمن عليها وكان كل طرف ينتظر أن انهيار الأطراف الأخرى، فلم تكن الجامعة ترسم خيارات الشعب العربي، فكانت فرصة للتدخل الإقليمي سواء من إيران أو تركيا  بجانب صراع القوى الكبرى على الأرض العربية.

دخل العالم العربي في موجة الاضطرابات عام 2011 بسبب أنه كان غير قادر على تأطير عملية التحديث السياسي التي تستلزم ديمقراطية وحرية شاملة وعدالة اجتماعية بدلا من قصر واستناد الإصلاح وطرح نموذجه إلى مرجعية دينية فقط التي لم تجعل من الوطن العربي أحد الوقائع المدمجة في الرؤية المعرفية ما جعلت المجتمع العربي منفصلا عن نفسه قبل أن يكون منفصلا عن المجتمع العالمي الذي لم يتمكن من حماية هويته في زمن الضعف والاضطرابات.

 وهو واقع ما لم تدركه النخب المثقفة التي هي نفسها التي اختارت العنف وهجران المجتمع ونظامه المعرفي والاستعانة بإيران وغيرها من القوى الإقليمية والدولية، وجعلت من المرجعيات الدينية العليا تتحكم بمصير الدولة خصوصا حينما تتقاطع مع ولاية الفقيه أو مع أي مشروع أو أي فكر آخر بسبب أن النخب ليست لديها مرجعيات مؤسسية يعترف بها المجتمع، فتحالفت مع المرجعيات الدينية العليا، أو على الأقل هي كانت تبحث عن مشاريع لا تصطدم بالمرجعيات.

خصوصا وأننا لم نتجه إلى مبادرة البدء بتجديد تجربة الدولة الوطنية التي تؤثر كثيرا في تغيير النظرة إلينا، فيما الإدارة الرشيدة تهدف إلى تحقيق التوازن بين السيطرة من المركز والاستقلالية الفردية، والإبداع على الأرض وإن كانت هي معضلة إدارية أيضا منذ عهد الآشوريين، كما أن السياسة بين ماكس فيبر وغاندي الأول يفكر من داخل نسق القوة، والثاني يفكر من داخل نسق الضعف، حيث أن حالة التطييف التي تضرب المنطقة العربية تتطلب سياسات خارجية أكثر ابتكارا لأن الألاعيب المحيطة هي إغراق العرب بالمسكنات، بينما عملية التفكيك جارية مما فرض على السعودية القيام بعاصفة الحزم التي قادتها السعودية في ظل غياب إجماع عربي، لكن يعني أن النظام الإقليمي سوف يشهد تغييرات كبرى، خصوصا وأن أمريكا منزعجة من أن دول الخليج تحولت إلى قوة وهي غير قادرة على ابتزازها ولم ترد دول الخليج على ترامب الذي صرح بأن أمريكا لن تحمي أحدا من دون مقابل بل طالب دول الخليج بأن تدفع فاتورة حمايتها فيما دول الخليج دفعت تلك الفواتير في حينه، حيث تدرك السعودية أن هناك تغير واضح في توجهات البيت الأبيض الاقتصادية نحو الداخل الأمريكي انهارت كثير من الرؤى التي بنت عليها الإدارة السابقة قناعاتها.

ما جعل الغرب يعيد حساباته في التعامل مع واقع عربي جديد تقوده السعودية، حيث ربط مراقبون ببدء عهد سعودي عربي جديد، لذلك أطلق الناتو من الكويت شراكة مع دول الخليج في التصدي للإرهاب، وصرح أمين عام حلف الأطلسي بأن أمن الخليج مرتبط بأمن دول الحلف، حيث يعتبر أن عاصفة الحزم هي شعور عربي بتخلي الغرب عن العرب وهو يخشى أن يمتلك العرب قوة مستقلة بدلا من الاستمرار في التبعية الأمنية المكلفة والتي لا يثق فيها العرب.

وبدأت أمريكا تعتبر إيران أكبر دولة راعية للإرهاب، بل هناك دراسة تكشف عن الدور المدمر للحرس الثوري الإيراني في 14 دولة وأنه أنفق على عملياته في سوريا وحدها 100 مليار دولار، ولديها سبعين ألف مقاتل تابع للحرس الثوري في سوريا عشرة آلاف منهم قتل في سوريا أغلبهم من العرب من حزب الله ولواء أبو الفضل العباس وعصائب أهل الحق وهي تنظيمات مسلحة تقاتل مع قوات الأسد، حيث أن كابوس المرشد الإيراني وحدة دول الخليج وكابوس السي آي إيه التي ترى أن طهران حينما تمد الشيعة العرب بالسلاح تهديدا للأمن القومي الأمريكي.

سنوات فاقمت من مآسي المنطقة وروجت فيها إدارة أوباما لضرورة احتواء طهران، خصوصا بعدما ظهر جناح الاعتدال المتمثل في الرئيس روحاني والوزير ظريف كأدوات لا يتجاوز تأثيرها حدود تصريحات وقفشات يحفل بها الإعلام الغربي الذي تغرر بها أوباما، يبقى القطع الحازم مع نظام الملالي اقتصاديا وسياسيا بوضعه الإرهابي الحالي كما يفعل ترامب وقبله الرياض مطلبا أمنيا محليا لجميع الدول، بعد ثمان سنوات عجاف ترامب يضع حدا لإرهاب إيران وأكاذيب الاعتدال.

أهمل المحللون الأميركيون البعد القومي والوطني الضارب في الجذور لدى الشيعة العرب في تحليلاتهم، والحرب الإيرانية العراقية فاجأت السي آي إيه خصوصا وأن نصف المقاتلين ضد إيران في الجبهات كانوا من الشيعة، حيث تجاهلت التحليلات الأمريكية الفروق والتضاد بين المرجعية التقليدية في النجف ومرجعية ولاية الفقيه الناشئة في قم، فيما بغداد تسعى لعلاقة مستقرة مع طهران بصرف النظر عن الاتجاه السياسي والديني للنظام الحاكم في طهران، حيث نجح البعثيون في الوصول إلى تفاهم مع الشاه، وربما أرادوا إبرام اتفاق مماثل مع الخميني رغم بغضهم للخميني نفسه، غير أن محاولات تنظيم زيارات متبادلة عالية المستوى انتهت بالفشل، حيث ترى إيران أن نسبة الشيعة في العراق يمثلون 55 في المائة يمكن أن يتسببوا في مشكلات كبيرة لحزب البعث المهيمن على الحكم في العراق أي أن إيران تعمل على تمرد الشيعة في كل الدول العربية وليس فقط في العراق.

أيا يكن لا يمكن أن تكون الجماعة بديلا عن الدولة لا جماعة الفقيه ولا جماعة الخليفة، وهي الطوق الآمن ولا يمكن الاعتراف بطوق الجماعة، وهذا ما تسعى له إيران على غرار الحرس الثوري الذي همش الجيش الإيراني وجعله تحت إمرته.

 وقد أدرك النبي العربي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم خطر العنصرية الفارسية على الإسلام وحذر الفرس من أنهم سيفقدون دينهم الجديد إذا حقدوا على العرب، حيث كان يقول (إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء) وكان الصحابي سلمان الفارسي وهو أحد قلة من الفرس الذين وعوا دور الإسلام منذ فجره، وتكنى باسم عربي وكان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم سلمان منا آل البيت، ليثبت للعرب أيضا خطر العنصرية، ويروي سلمان الفارسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك، قلت يا رسول الله ،كيف أبغضك، وبك هدانا الله ؟ فأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم تبغض العرب فتبغضني) أي أن هناك تلازم بين كراهية العرب وكراهية الإسلام.

فكيف عندما يصبح الدين عند بعض الفرس أن تقتل العرب في سوريا والعراق ولا يقتلون العنصريين الإسرائيليين الذين يقتلون العرب ويهجرونهم من بيوتهم، وكان الرسول يعلي من شأن العقل الذي يقلل منه الفرس عند ممارساتهم لطقوسهم وتصديرها للعرب بحجة حب آل البيت، فكان يقول صلى الله عليه وسلم (لكل شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله، فبقدر عقله تكون عبادته).

 والعنصرية في أوربا المتمثلة في النازية التي اجتاحت أوربا بالقوة تسببت في مقتل 60 مليون إنسان، فكانت حرب مدمرة، وسبق أن رد الملك سلمان على خامنئي على الحملات الشعواء على الوهابية بأن السعودية قامت على الدعوة إلى التوحيد لا على العصبية القبلية وهي دولة مدنية وليست دينية، وهناك جبهة ثالثة حاولت إخراج السلفية من أهل السنة والجماعة، ولأن أهل السنة مثل الشيعة يعتبرون إسلامهم هو الصحيح والأوحد ما يعني أن متطرفي كل طائفة تكفر أتباع الطائفة الأخرى القصد من ذلك النيل من السعودية فقط التي تحمي الحرمين الشريفين.

 ومنذ أن وحد الملك عبد العزيز الدولة في عام 1933 بات موسم الحج يثير أعصاب العنصرية الفارسية في كل عام، وبعدما أخفق في تسيس الحج لجأ إلى استغلال حوادث تحدث بالحج لنزع حماية الأماكن المقدسة والدعوة إلى تشكيل هيئة إسلامية لإدارتها يكون لإيران دور بارز فيها ولكن لم تستجب بقية الدول الإسلامية إلى تلك الدعوة، وحاولت إيران أن تنبش خطة الخميني لإنشاء كتلة إسلامية شيعية.

عاصفة الحزم صفعة وضربة استباقية في تقويض مشروع حكم الأقلية الحوثية للأغلبية اليمنية، وحرمت إيران من الحصول على شرعنة نفوذها في المنطقة العربية، والحصول على مجال حيوي الواصل بين بغداد ودمشق وبيروت، لكن الدب الروسي هو الآخر لم يقبل لإيران أن تسلبه آخر موطئ قدم له في سوريا بعدما رفضت فرنسا وبريطانيا الاعتراف بدور روسي في فلسطين ببعده الأرثوذكسي.

 لذلك يتساءل البعض هل يدوم الوفاق الروسي الإيراني العلوي بعد انكشاف رغبة الشيعة استيطان سوريا، ومعارضتهم العلمانية كتسوية روسية؟، وهي عروض قيصرية فوق الحصانين الإيراني والتركي، لذلك لمست روسيا أنها تستطيع أن تضمن تركيا والمعارضة السورية المسلحة لكنها من المستحيل أن تضمن طهران ومليشياتها، وبدأت تقر بانتهاكات النظام العسكرية.

يدفع العرب ثمن تلك الصراعات على أراضيهم بسبب أنهم فشلوا في بناء دولة وطنية حديثة ترعى التعدد والتساوي في الحقوق والواجبات بين جميع مواطنيها بعيدا عن الانتماءات الدينية والقومية الذي تسبب في تنامي النزعة الانعزالية لدى الأقليات الدينية وتنامي النزعة الانفصالية لدى الأقليات القومية توج هذا بوصول العسكريتاريا الأقلوية إلى الحكم وممارستها اضطهادا سياسيا ضد باقي الأقليات وتشتيتا ممنهجا لديموغرافيا الأغلبية لكي تتمكن من إضعافها وحكمها.

 وتريد إيران هيمنة لصالح جغرافيا ضيقة تخضع لسلطة أقليات عرقية ودينية مما ينتج عن هذا التشظي قيام دويلات أمر واقع بطابع طائفي وعرقي سيكون الراعي الرسمي إيران لقيامها وحمايتها.

كما أننا لم ننجح في أن نعد سيناريوهات ما بعد المرجعيات الدينية سواء كانت مرجعية السيستاني أو غيرها في كافة الوطن العربي دون تجاهلها وفي نفس الوقت من دون أن تتحكم في الوطن، من جانب آخر يسعى أتباع طهران في العراق في حالة فراغ المرجعية ما بعد السيستاني أن يتولاها الشاهرودي والحائري لأنهما يتبعان ولاية الفقيه الإيرانية من أجل أن يظل العراق تابعا لإيران التي رفضت مرجعية السيستاني التبعية لإيران بسبب رفضها ولاية الفقيه.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق