الإدارة الإيرانية الكارثية للقضايا البيئية والصحية

تسعى إيران من خلال الكم الكبير من الإعلام الموجه والمقاد عبر أجزتها العسكرية، للترويج لحالة “نهضوية” إيرانية تدفع بها إلى مصاف الدول المتقدمة أو في طور التقدم، لكن نظرة معمقة إلى الداخل الإيراني، ومن خلال مؤشرات المنظمات الدولية غير الحكومية من جهة، وحتى من خلال بيانات الحكومة الإيرانية، يتبين العجز الكبير الذي تعانيه إيران في معظم الملفات الداخلية طيلة حكم نظام الملالي لها، ومن هذه الملفات، يتقدم الفشل الحكومي في معالجة الإشكاليات البيئة والصحية داخلياً، والمترافقة بأبعاد إقليمية تهدد السلامة البيئية لمنطقة الخليج العربي بأسره، دون أن يكون هذا الملف منفرداً أو حالة خاصة في الوضع الداخلي الإيراني، إذ سبق لنا في دراسات مقارنة سابقة أن بينا الإخفاقات الشاسعة في المجال التنموي والاقتصادي والاجتماعي (1).

تلوث الهواء:

احتلت إيران المرتبة الأولى عالمياً في نسب تلوث الهواء فيها عام 2014، وحسب صحيفة “جمهوري اسلامي” تعتبر إيران من أكثر دول العالم تلوثاً للهواء، حتى عام 2014 بلغت الخسائر المالية بسبب تلوث الهواء في إيران 11 مليار دولار، وستبلغ حتى عام 2019 ما يقارب 15 مليار دولار. وحسب الصحيفة فإنّ لجنة مراقبة الهواء في طهران قد أعدّت تقريراً حول تلوث الهواء في إيران خلال الأربعة أشهر الماضية قالت فيه إنّ هناك 6 أيام فقط في الشهر يكون الجو فيها صحياً ونظيفاً، و18 يوماً يكون فيها غير صحي بالنسبة للأفراد الذين يعانون من الحساسية، ويوم واحد يكون فيه غير صحي بشكل كامل، وحسب المنظمات الدولية فإنّ الحد المسموح به في مستوى جزيئات الغبار في الهواء هو 150 ميكروغرام، ولكن ميزان تعلق ذرات الغبار في هواء الأحواز مثلاً يبلغ أحياناً 3656 ميكروغرام، وهذا يعني 25 ضعف الحد المسموح به.

ووفق تقرير التنمية البشرية الصادر عن منظمة الأمم المتحدة لعام 2013، تبلغ نسبة استخدام الوقود الأحفوري في إيران 99.5% أي إنّ نسبة استخدام الطاقة المتجددة لا تتجاوز 0.5% لعام 2009. وبلغت انبعاثات غاز ثاني أكسد الكربون 538 ميغا طن لعام 2008، وبنصيب فرد بلغ 7.4 طن في السنة بمتوسط زيادة سنوية 2.2%، مقابل 2.1 من نصيبه من غازات الاحتباس الحراري لعام 2005.

وقد أكد تقرير لأخبار الآن على أن ضحايا التلوث البيئي في إيران وفق الإحصائيات الدولية المعتمدة قد بلغ 270 شخصاً يومياً وهو ما يعادل 100 ألف مصاب سنوياً، فيما ذكر الباحث محمد أحمد الأحوازي أن ضحايا التلوث تبلغ 400 شخص شهرياً (2).

1(12)

وهو ما أدى في نوفمبر 2013 إلى نقل ما لا يقل عن 5 آلاف شخص هرعوا إلى مستشفيات مدينة الأحواز بحثاً عن مساعدات طبية بعد زيادة مستويات التلوث في أعقاب ضربات برق، وهطول أمطار غزيرة. ونقلت صحيفة “أرمان” أنّ الأمطار الحمضية تسببت في إصابة الكثيرين بأعراض مثل ضيق التنفس (3).

وسبق للسلطات الإيرانية اتخاذ قرار يقضي بإغلاق كافة المؤسسات والدوائر الحكومية، وذلك جراء ارتفاع معدلات تلوث الهواء في العاصمة الإيرانية طهران، شهر يناير 2013. وخلال السنوات الماضية عمدت السلطات إلى اتخاذ عدة قرارات مماثلة جراء مشكلة تلوث الهواء التي تواجه بعض المدن الإيرانية، لاسيما طهران التي تقع بين جبلين يحصران فيما بينهما الهواء الملوث، وتشير إحصائيات وزارة الصحة الإيرانية إلى أنّ تلوث الهواء في طهران وحدها يتسبب سنوياً بوفاة نحو 4 آلاف شخص، كما تسجل المستشفيات ازدياد حالات الأمراض الصدرية والصداع والغثيان المرتبطة بهذه المشكلة البيئية (4).

كما سبق لها أن دعت سكان طهران للإسراع بمغادرتها، وذلك للهروب من نسبة التلوث السامة في الجو، وجاء التحذير بعد استقبال المستشفيات عدداً كبيراً من المصابين من جراء الارتفاع الكبير في نسبة التلوث بالجو، إذ أدى التلوث إلى إغلاق العديد من المدارس والجامعات وكذلك عدد من مؤسسات الدولة، وذلك في شهر ديسمبر 2012 (5).

ورغم أنّ الإحصائيات الإيرانية تعمد إلى التعتيم على حقائق الأوضاع الداخلية، إلا أنّها لا تمتلك القدرة على نفيها كلياً بل تعمد إلى تخفيض آثارها الإعلامية، من ذلك ما كشف عنه وزير الصحة الإيراني من أنّ “كل ساعة يموت شخصان في إيران بسبب التلوث”، بسحب ما نقلته وكالة “إيلنا” الإيرانية للأنباء، وحذّر الوزير من خطورة التلوث البيئي التي تعاني منه مدن إيران الكبرى، خاصة العاصمة، كاشفاً أنه في عام 2012 و2013 بلغت نسبة التلوث في طهران 95%، وذلك خلال كل أيام السنة.

وحسب تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية العام الماضي، تحتل إيران المركز الأول عالمياً في نسبة التلوث، وذكر التقرير أن أربعة من أصل أكثر 10 مدن تلوثاً في العالم هي مدن إيرانية، حيث تحتل مدينة الأحواز المرتبة الأولى عالمياً في مستوى تلوثها، كما حلت مدينة سنندج الإيرانية في المرتبة الرابعة عالمياً، وكرمانشاه الإيرانية حلت سادسة، فيما أتت مدينة ياسوج الإيرانية في المرتبة التاسعة عالمياً (6).

مؤشرات صحية:

وفقاً لتقرير التنمية البشرية لعام 2013، بلغت وفيات الأطفال الرضع 22 وفاة لكل 1000 ولادة حية عام 2010، فيما بلغت 26 وفاة للأطفال دون سنة الخامسة، وبلغت نسبة وفاة النساء 90 امرأة لكل 1000 امرأة على قيد الحياة، و144 رجلاً لكل 1000 رجل عام 2009، وتعود 11 حالة وفاة من كل 1000 حالة إلى الكوليرا عام 2010، و385 حالة من كل 1000 حالة لأمراض الشرايين والقلب عام 2008.

ووفق مؤشرات منظمة الصحية العالمية، فقد انخفضت نسبة القاطنين في المناطق الحضرية من 71% عام 2010 إلى 69% عام 2013. كما انخفض الإنفاق الحكومي على الضمان الاجتماعي من 60.4% عام 2002 إلى 41.8% عام 2011 من جملة نفقاتها الصحية، مترافقاً بانخفاض الإنفاق الحكومي على الصحة من 44% عام 2002 إلى 40.4% عام 2012 من جملة نفقاتها الصحية، كما شهدت ارتفاع حالات ضحايا الإصابة بالسعال الديكي إلى 1329 عام 2012 مقابل 464 عام 2010 (7).

2(9) 

تلوث مائي عابر للحدود:

لم تقتصر الآثار السلبية الناتجة الإدارة الكارثية للبيئة الإيرانية على الداخل الإيراني، بل شكلت تحدياً لدول الجوار في عدة مجالات، فكان العراق أول المتضررين بتلك الإدارة الكارثية، نتيجة اشتراك البلدين بحدود نهرية تمّ طرح الملوثات الإيرانية فيها.

إذ يعاني أهالي ناحية السيبة الواقعة بالقرب من الحدود العراقية-الايرانية من تفاقم ملوحة المياه وتلوثها بالفضلات الصناعية (غاز الأمونيا NH3)، التي يخلفها مجمع مصافي عبادان الواقع على ضفة شط العرب من الجهة المقابلة، مما أدى للقضاء على الثروة الحيوانية وانهيار الواقع الزراعي. وقال مدير الجمعية الفلاحية في منطقة سيحان إن أهالي السيبة والمناطق المجاور لها يعيشون في ظل كارثة بيئية، لافتاً إلى وجود نزوح جماعي من الناحية باتجاه مدينة البصرة، مضيفاً بأن الحيوانات نفقت والأشجار هلكت والثروة السمكية قُضِي عليها بسبب النفايات الواصلة من المنشآت الصناعية والنفطية الواقعة في عبادان (8).

تهديدات التلوث النووي الإيراني:

إنّ من أهم الإشكاليات المرتبطة بالملف الإيراني، عدا عن أبعاده التسليحية التي تهدّد أمن الشرق الأوسط بأسره، تلك الأخطار المرتبطة بالتلوث الذي قد يحدثه على امتداد منطقة الخليج العربي، وعلى مستويات الهواء ومياه الخليج العربي المشتركة مع إيران، حيث يقع مفاعل بوشهر عليها.

إذ كشف تقرير للهيئة العربية للطاقة الذرية أن مسؤوليها عقدوا اجتماعاً لخبراء الطاقة النووية في الكويت ومصر والبحرين واليمن والعراق والسودان وتونس، لمناقشة المخاطر المحتملة من المفاعلات القريبة للدول العربية، ونقلت صحيفة “الرأي” الكويتية عن التقرير: “أن الاجتماع الذي عقد سراً لمدة ثلاثة أيام اعتباراً من 13 أغسطس الماضي، وتضمنت محاوره مصادر التلوث الإشعاعي للمنطقة العربية، توصل إلى أن مفاعل بوشهر النووي الإيراني الذي يبعد عن الكويت 280 كيلومتراً فقط، يقام على منطقة من أكثر المناطق من حيث النشاط الزلزالي، وفي منطقة تلاقي ثلاث طبقات أرضية، وأنّ إيران لا تستطيع الاستفادة من تجارب الأمان التي خاضتها دول أخرى.

وأكد الخبراء أنّ مصادر التهديد من المفاعل ستكون نتيجة نشوب صراع بين إيران والغرب، أو احتمال تسرب إشعاعي، ما يؤدي لتداعيات صحية وبيئية واقتصادية تنعكس آثارها على المنطقة العربية، وقالوا إن من المحتمل جداً أن تكون منطقة المفاعل مسرحاً لكارثة نووية مقبلة، حيث إنّ المفاعل أشرف على تشييده مهندسون درجة ثانية، وأنّ المفاعل لن يصمد في وجه زلزال كبير أو متوسط، وإدارة البرنامج تفتقر إلى برنامج تدريب جدي، وأكد الخبراء أنّ دول الخليج ستتأثر بالمفاعل، وأنّ هناك خطرين على الخليج، هما التلوث الهوائي والتلوث المائي لبيئة الخليج العربي، الذي تستخدم مياهه للتبريد الثانوي، وأنّ مياه البحر لدول الخليج العربي ستتأثر بالحوادث النووية للمفاعل، حتى لو كان من مفاعلات الماء الخفيف الحديثة التصميم والمزودة بأنظمة الأمان.

وقال الخبراء إنّه في حال وقوع تسرب إشعاعي في الهواء من المفاعل، فإنّ انتشار السحابة النووية سيصل إلى أطراف دول الخليج، وإنّ أي تسرب إشعاعي من مفاعل بوشهر سيصل إلى الكويت في أقل من 15 ساعة فقط، إذا ما كانت سرعة الرياح 5 أمتار في الثانية فقط. وأوضحت الهيئة في تقريرها أن هذا المفاعل سيغير مستقبل منطقة الخليج خلال السنوات العشر المقبلة، على أقل تقدير، وأنّ ذلك سيبدأ في أنّ مياهه ستلوث مياه الخليج العربي، ما سيؤدي إلى عدم صلاحية مياه التحلية المنتجة من المحطات، وأن مياه الخليج العربي ستأخذ من 7 إلى 9 سنوات لتتغير، وأنّ تركيز المواد المشعة لن يزول بسهولة. وإنّ دولاً كالكويت والسعودية وقطر والبحرين والإمارات سيصلها الغبار بطرق متفاوتة، وإنّ المعضلة الأكبر ستكون في كيفية تطهير الأراضي المكشوفة والصحاري (9).

وما يزيد من خطورة المفاعلات النووية الإيرانية بأسرها، وقوع إيران في منطقة تصدعات زلزالية ذات نشاط حركي شديد، يشمل معظم الأراضي الإيراني، ويترافق مع توزع جغرافي واسع للنشاط النووي الإيراني، مما يرفع احتماليات الكارثة النووية في حالة الزلازل.

3(2)

وما يزيد من احتمالية الكارثة العابرة للحدود نووياً، وقوع خطوط التصدع الزلزالي في غرب إيران وجنوبها عبر تماس مباشر مع الخليج العربي والعراق.

4

إذ تقع إيران في المجموعة النشيطة، بل إنّها تُعد من أكثر الدول في العالم استعداداً لحدوث الزلازل، ذلك لأنها تقع -جغرافياً- في وسط الحزام الزلزالي العالمي النشط، كما إنّها تقع على عدة خطوط تصدع زلزالية، مما جعلها تشهد العديد من الزلازل المدمرة والدموية، وجعل معدل وقوع الزلازل فيها مرتفعاً. ونظراً لأن إيران تقع فوق تصدعات عديدة، فقد أُطلق عليها اسم: “حزام الزلازل” أو “مركز الهزات الأرضية”. وتُشير الدراسات الجغرافية التاريخية الإيرانية القائمة على أساس بحوث الآثار وعلوم طبقات الأرض إلى أنّ مدناً مثل: تبريز، قزوين، كرمان، بَم، جيرفت، كازرون، سيراف، نيسابور، جناباد، طبس، وغيرها من المدن، صارت نهباً للتغيرات والتحولات بسبب الهزات الأرضية، ولهذا فإن صعود وهبوط المدنية في إيران مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتصدعات (10).

خاتمة:

فيما تعاني البيئة الداخلية الإيرانية من انهيارات في معظم الملفات، أدت إلى تضعضع البنيان المؤسساتي للدولة، وتراكم الإشكاليات البنيوية فيها، مما جعل منها دولة ذات طراز مؤسساتي قديم قابل للانهيار بفعل عوامل سياسية وأقوامية واقتصادية وإدارية وحتى فكرية، فإنّ النظام الإيراني في المقابل ما زال يدفع باتجاه الإدارة عبر الأزمة، من خلال تحويل أزماته الداخلية إلى أزمات إقليمية يقوم بفرضها بقوة السلاح، وإن كان قد بات يعتبر العدو الأول للشعوب العربية المحيطة به نتيجة إدارته المباشرة لعمليات الإبادة التي تتم فيها، فإنّ ملفاته الداخلية باتت هي الأخرى مصدر تهديد للمحيط العربي، وخاصة الخليجي، مع فقدان أية مخططات مشتركة لمواجهة التهديدات البيئية الطبيعية (الزلازل)، والصناعية (المراكز النووية)، بل حتى مع غياب إدارة إيرانية داخلية وذاتية لتلك الإشكاليات.

 وهو ما يحتّم على الدول المحيطة العمل على تطوير منظومة مؤسساتية ضاغطة باتجاه خلق سيناريوهات لتفادي الكوارث الطبيعية والصناعية المتوقع حدوثها في إيران، وتحضير البدائل الضرورية لإنقاذ المنطقة من التداعيات طويلة الأمد لتلك الكوارث.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

مراجع:

(1) للاطلاع على ذلك، انظر: عبد القادر نعناع، “إشكاليات التنمية في إيران (1، 2)”، مركز المزماة للدراسات والبحوث:

http://www.almezmaah.com/ar/news-view-5081.html.

http://www.almezmaah.com/ar/news-view-5268.html.

(2) “التلوث في إيران يتسبب في وفاة 270 شخصاً يومياً”، فضائية الآن، 27/12/2013:http://www.youtube.com/watch?v=W1ymT97p424.

(3) “إيران: التلوث يضرب الأحواز”، سكاي نيوز العربية، 5/11/2013.

(4) “تلوث الهواء يعطل الحياة في طهران”، سكاي نيوز العربية، 5/1/2013.

(5) “رعب في إيران ودعوات للسكان لمغادرة طهران للهروب من نسبة التلوث السامة في الجو”، 6/12/2012:http://www.almokhtsar.com/node/93740.

(6) موسى الشريفي، “شخصان يموتان كل ساعة بسبب التلوث”، قناة العربية، 27/4/2014.

(7) منظمة الصحة العالمية: http://apps.who.int/gho/data/node.country.country-IRN.

(8) “تفاقم مشاكل البيئة وتلوث مياه شط العرب ناجمة عن مخلفات صناعية إيرانية”، موسوعة البيئة، 17/11/2011:http://www.bee2ah.com/.

(9) “تقرير: أي تسرب من بوشهر يصل للكويت في أقل من 15 ساعة”، 19/12/2013، http://sabq.org/SXLfde.

(10) يحيى داود عباس، “إيران: تاريخ طويل من الزلازل”، الأهرام الرقمي، 1/6/2013:http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=1337985&eid=8786.

الوسم : إيرانبيئة

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق