اتفاق مناطق تخفيف التوتر: الامتحان الصعب

دخل اتفاق مناطق خفض التصعيد أو التوتر في سورية حيز التنفيذ مع بداية يوم السبت 6/5/2017، بعد توقيعه قبل يومين في العاصمة الكازاخستانية أستانة، من قبل الدول الراعية للمحادثات بين النظام والمعارضة في سورية، وهي روسيا وتركيا وإيران. ويقوم الاتفاق الذي رسمت روسيا مشروعه، وتم وضعه على جدول مفاوضات مؤتمر أستانة4، على مفهوم إنهاء الاشتباكات والمعارك بين الطرفين، وتثبيت وقف إطلاق النار، من خلال مباعدة خط الاشتباك بين الجيش النظامي وقوات المعارضة، بحيث تقل إمكانية المواجهة المباشرة بين الطرفين، مع نشر قوات من دول لم تشارك في المعارك، مما يسهل مراقبة تحركات الأطراف المتحاربة، وتهديد أي طرف خارق لوقف إطلاق النار.

ويشمل الاتفاق أربع مناطق، الأولى تشمل إدلب وريف حماه الشمالي وريفي اللاذقية الشمالي والشرقي وريف حلب الغربي، فيما تشمل الثانية ريف حمص الشمالي، أما الثالثة فتشمل غوطة دمشق الشرقية، فيما الرابعة في جنوب سورية في ريفي درعا والقنيطرة. إذاً، فالاتفاق يشمل مناطق سيطرة المعارضة السورية، مستبعداً مناطق سيطرة تنظيم داعش، الذي اتُفق على محاربته بجانب هيئة تحرير الشام (النصرة) المتمركزة أساساً في مناطق المعارضة السورية.

لف هذا الاتفاق الكثير من الغموض، فبغض النظر عن أنه محاولة لتحقيق إنجاز منقوص من قبل الأطراف الضامنة، واسمه أو عنوانه المثير للجدل (خفض التصعيد-تخفيف التوتر-مناطق آمنة)، فالاتفاق ذو مضمون عريض غير محدد ويحتمل التأويل والتفسيرات المتعددة، لكن أكثر ما يثير القلق وهنا أقتبس من المفكر السوري الدكتور سام دلة أن “الاتفاق أو المذكرة لم يُوقع من قبل البائع والشاري”، أي النظام والمعارضة! وقد صيغ الاتفاق على عجل خلال الفترة الأخيرة نتيجة ظروف وعوامل عدة. وفيما آثر النظام الصمت حتى الآن، فقد شككت المعارضة على لسان الهيئة العليا للتفاوض في الاتفاق، وانتقدته منذ طرحه، واعتبرته يمهد لتقسيم البلاد، ورفضت وجود إيران كطرف ضامن.

وأما عن العوامل والظروف التي هيأت وساعدت على نشوء الاتفاق:

  • الموقف الأمريكي الجديد في سورية خصوصاً بعد الضربة العسكرية لمطار الشعيرات، واستشعار الروس والإيرانيين لنوايا الأمريكيين التي قد تضرّ بمصالحهم في سورية، فسعت روسيا لاستباق الأحداث وفرض اتفاق ببنود كانت ترفضها روسيا في الماضي القريب، ومحاولة فصل الملف السوري عن باقي الملفات في التفاوض مع الأمريكيين، (اليمن، العراق، أوكرانيا…)، خصوصاً أن ترامب طلب دراسة لإمكانية إقامة المناطق الآمنة في سورية. كما أرادت روسيا وإيران قطع الطريق على تدخل قوات أردنية وأمريكية جنوب سورية كما جرى الحديث مؤخراً. وأعلنت الدفاع الروسية أن مشاورات جرت مع وزير الدفاع الإسرائيلي بخصوص المناطق الآمنة. وتدرك الدول الراعية للاتفاق أن التورط المتزايد في الحرب السورية سوف يؤدي لاستنزافها مستقبلاً، بالتالي تسعى لإبقاء نفوذها العسكري والسياسي دون تكلفة، وهو ما يوفره هذا الاتفاق مرن التفسير. أما إيران، فلا تخرج موافقتها على الاتفاق من السياق نفسه، وتدرك أن علاقات جيدة مع الروس والأتراك يمكن أن تساعدها أمام التصعيد الأمريكي القادم في الملف الإيراني. والاتفاق الحالي لا يغير أصلاً من السيطرة الميدانية على الأرض ويعتبر فرصة لإيران وحليفها النظام السوري في إعادة بناء قواته وتجميع صفوفه بعد أن أنهكتهم الحرب الدائرة. يجدر الإشارة إلى أن أمريكا قد رحبت بالاتفاق لكن بشكل حذر متوجسة من دور إيران كطرف ضامن.
  • بالنسبة لتركيا، فإن الاتفاق يحقق مطلباً قديما، ولو أنه مختلف نسبياً عما كانت تطلبه تركيا، وتجد تركيا في هذا الاتفاق فرصة لتهدئة الوضع في مناطق سيطرة المعارضة السورية، يسمح لها من جهة التفرغ  لمعالجة الوضع الكردي شمال سورية، والاتفاق أصلاً لم يشمل مناطق سيطرة الأكراد، مع إمكانية صب الجهود للتدخل عسكرياً في مناطق سيطرة الأكراد، خصوصاً أن أمريكا ماضية في سياسة دعم الأكراد السوريين ولم ترضخ حتى الآن لمطالب تركيا، ومن جهة أخرى فإن تركيا بحاجة لإحداث تسوية ما في الملف السوري في ظل وضع داخلي تركي متوتر، حيث تعتبر سياسة  الحكومة التركية في سورية مثار نقد من قبل أحزاب المعارضة التركية.

وهذا الاتفاق هو فرصة أيضاً لتركيا لإرسال مؤشرات للولايات المتحدة بإمكانية زيادة التنسيق مع الروس ما لم تتم تلبية المطالب التركية وحاجاتها الأمنية من قبل أمريكا.

أما عن السيناريوهات المتوقعة فهي تتمحور في اتجاهين:

  • الأول هو نجاح الاتفاق في تثبيت وقف فعلي لإطلاق النار في سورية بين النظام والمعارضة، ومن العوامل التي من الممكن أن تدفع لتحقق هذا السيناريو، رغبة الأطراف الضامنة، سواء بإيقاف الحرب الدائرة، كونها تشكل استنزافاً للجميع، ورغبتهم بقطع الطريق على الخطط الأمريكية المتوقعة لمصير سورية، مدفوعة بأهداف خاصة بكل طرف ضامن على حدة. كما أن الحاجة الشعبية الملحة لوقف القتل اليومي في سورية وإمكانية انعكاسها على مواقف القوى المختلفة قد يساعد في تحقق هذا السيناريو. زد على ذلك إفصاح الإدارة الأمريكية برغبتها في وضع تسوية شاملة لقضايا الشرق الأوسط، بحيث يكون الاتفاق مقدمة لانطلاق محادثات سورية جدية تفضي لتسوية سياسية، تنهي أهم مشكلات المنطقة. ومن شأن تحقق هذا السيناريو أن يشعل صراعات من نوع آخر كمواجهات محتملة بين فصائل المعارضة فيما بينها، أو بين المعارضة والنصرة، كما حدث في غوطة دمشق مؤخراً، أو بين النظام والأكراد (احتمال ضئيل)، أو بين تركيا والوحدات الكردية.
  • أما السيناريو الثاني فهو القول بفشل الاتفاق، وعدم قدرته على وقف إطلاق النار وبالتالي استمرار المعارك والنزيف السوري اليومي. والنقاط التي تدفع نحو تحقق هذا السيناريو هي:
  • التجربة السابقة من اتفاقات التهدئة ووقف إطلاق النار، التي أثبتت أنها مجرد مناورات دبلوماسية لإيران وروسيا، لم تمنع من استمرار الطرفين ومعهما النظام السوري، من الاستمرار بالهجوم على المعارضة والشعب السوري.
  • أن الاتفاق غاب عنه النظام والمعارضة، يعني أنه تم بتوافق خارجي وليس داخلي، يعني أن الطرفين غير ملزمين به عملياً ما لم يصدر قرار دولي بهذا الشأن. حتى أن المعارضة هاجمت الاتفاق واعتبرته بداية تقسيم لسورية.
  • إشكالية جبهة النصرة، التي يوجد اجماع دولي على محاربتها، وهي أصلا موجودة في مناطق المعارضة، وبالتالي إمكانية استخدامها كحجة من قبل روسيا وإيران والنظام السوري في محاربة وقصف المعارضة كما حدث سابقاً.

أما عن التوصيات:

  • رغم المخاوف المحقة للمعارضة من الاتفاق، لكن يشكل فرصة مناسبة في حال التزام الأطراف الضامنة، لإيقاف الحرب الدائرة التي أنهكت الشعب والمجتمع لسنوات، لذا من الجيد متابعة مدى تنفيذ الاتفاق قبل انتقاده، ثم كيف للمعارضة أن تنتقد وجود إيران كطرف ضامن في الوقت الذي لا تمانع من وجود الروس، مع العلم أن الروس لم يتوقفوا عن قصف الشعب السوري!
  • الاتفاق دخل حيز التنفيذ ويجب البناء لما بعده، وعلى كل من المعارضة وتركيا الاستفادة من التحولات في الموقف الروسي، والبناء عليها، فالروس وحدهم القادرين على تغيير النظام السوري متى أرادوا، وبالتالي فالفرصة تاريخية في حال ثبت وقف إطلاق النار وهو أحد بنود الاتفاق، لحل الأزمة السورية ضمن تسوية شاملة تضمن تغييراً للنظام في سورية، أبدى الروس مرونة مؤخراً بشأنه.
  • على الفصائل المعارضة، المسلحة خصوصاً أن تدرك أن عدم توحدها في المستقبل القريب واستمرار الارتهان للأطراف الخارجية سيؤدي للقضاء عليها، وستبدأ الصراعات والمعارك بينها لتقضي على بعضها البعض، بغض النظر عن توجهاتها. كما يجب على كافة الفصائل وبدل التوجه لقتال النصرة والفصائل التي تدور في فلكها، يجب العمل على استيعابها والاستفادة من غلبة الوجود السوري ضمن عناصرها لدفعهم الى التخلي عن التوجهات المضرة بالشعب السوري وتضحياته. وقطع الطريق أمام حجج الدول الخارجية بوجود جبهة النصرة (هيئة فتح الشام) ضمن مناطق المعارضة السورية، خصوصاً أن أغلب فصائل المعارضة ذات توجهات إسلامية ممكن لها أن تشكل إطاراً جامعاً يستوعب عناصر النصرة.
  • من جهتها تركيا وكونها الطرف الضامن الذي تربطه علاقة قوية بالمعارضة السورية، أن تسعى بالتعاون مع الروس، وفي ظل الترحيب الأمريكي بالاتفاق، إلى العمل على تبني الاتفاق عبر مجلس الأمن، وربطه بقرارات ملزمة تحت الفصل السابع، بعد الاتفاق على البنود التنفيذية فيه، بحيث لا يتم تأويلها بغير ما أريد لها أو يمهد لتقسيم سورية فعلاً. مما يلزم الأطراف كافة بتنفيذه في حال تم تبنيه أممياً. وأن يكون للقرار خطوات تنفيذية وضرورة أن تكون القوات الفاصلة أممية أو من دول مقبولة لكافة الأطراف، كقوات من شرق أو جنوب آسيا مثلاً. ومن شأن النجاح في أخذ قرار من مجلس الأمن، أن تتضاءل الفرصة لدى أي طرف بتعطيل الاتفاق على أرض الواقع.

أحمد وليد

كاتب سوري

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق