إيران وفخ أسطورة اللحاف الطويل: لمن تقرع الأجراس؟

pdf

تحميل نسخة إيران وفخ أسطورة اللحاف الطويل لمن تقرع الأجراس PDF

ليس ثمة معادلة أخذت من الشرق الأوسط مايكفي من الصراعات، أكثر من تلك التي تأسست على أسطورة التمدد الإيراني في المنطقة. إذ تحولت أسطورة اللحاف الإيراني الطويل إلى معادلة شاخت أيديولوجياتها في مواجهة متغيرات النظام الدولي وتحدياته الآخذة بتطورات بنيوية تقوم على التنمية وأمن الطاقة، كفاعل وحيد في رسم محددات العلاقة داخل النظام الدولي.

المتتبع لملامح الحصاد الإيراني في مواجهة الضغط الخليجي، يلاحظ الضربات السريعة والمتتالية التي تلقتها السياسة الإيرانية مؤخراً، لاسيما بعد تبلور التحالف الخليجي الثلاثي عام 2014. فالدولة التي ظلت مصرّة على تصدير الصيغة المختلفة لنظامها السياسي كنظام للناس كافة، بدت اليوم وكأنها تلملم أولى حصادها المر، بدءً من الصدع الذي ظهر في جدار التمكين الطائفي في العراق، حيث انكشف اللحاف الطويل عن عقيدة طائفية، انهارت أمام أول اختبار لها في الموصل، ما أدى إلى انصياعها مرغمة لتشكيل حكومة وحدة وطنية.

 

إيران: الحصاد المر على الصعيدين الإقليمي والدولي:

إقليمياً، بدى الشرخ الذي طال موقع الجمهورية الإسلامية واضحأً، فقد أدى الدعم الخليجي الإماراتي–السعودي إلى إحراج الدولة التي تقود حركات الإسلام السياسي في المنطقة، وإخراجها من المعادلة السياسية في مصر، والإطاحة بأحلام القادة الإيرانيين التي اختصرها هاشمي رفسنجاني منذ اليوم الأول للثورة في مصر بقوله: “إنّ مصر بحاجة إلى خميني جديد”.

أما على الصعيد الدولي، فقد مُنيت الدولة التي طالما ابتزت الغرب بدرايتها في إدارة ملفات الحركات الجهادية، بأكبر إخفاقاتها حين استُبعِدت من التحالف الدولي ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، وهو الاستبعاد الذي جاء بعد أن نفذ صبر الغرب من المفاوضات الطويلة. الذي أيقن أنّ التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي، مجرد حالة براغماتية لتحقيق مكاسب إيرانية وطنية، وأنّ موضوع ملفها النووي خطٌ أحمر، لاسيما وأنها حصرت مفاوضاتها مع الغرب في تقديم تنازلات في مناطق نفوذها على حساب السماح لها بمتابعة برنامجها النووي.

المعادلة الإيرانية آنفة الذكر، أظهرت التفاهم الإيراني مع دول 5+1 في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، مجرد مناورة إيرانية لكسب الوقت بخصوص برنامجها النووي، وفرصة للتحرك بحرية في مناطق تمددها، لاسيما في سورية التي ترى فيها فرصة سانحة لولادة ورقة جديدة على شاكلة الورقة اللبنانية.

 تدرك إيران أنّ موقعها في سورية أصبح مجرد مسألة وقت، فقد تصدر تنظيم الدولة الإسلامية واجهة المشهد السوري، الذي تحول إلى حرب دولية ستنتهي -ككل حرب- بتموضعات جديدة لقوى جديدة.

الغرب يحسم أموره مع إيران:

لطالما أومأت إيران بتقديم مايلزم بشأن تنظيم الدولة الإسلامية، مقابل ما يقدمه الغرب من مكاسب بشأن برنامجها النووي، وهو ما لا يريده الغرب الذي حسم أموره في التعامل مع إيران، بالتزامن إعلان البيت الأبيض فشل التوصل إلى اتفاق معها، عشية إعلان أوباما استراتيجيته الطويلة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما أثار حفيظة مرشد الجمهورية الإسلامية الذي هدد الولايات المتحدة بأنّها ستواجه نفس المشكلات التي عانتها في العراق، ما يعني اعترافاً إيرانياً بمرحلة جديدة من إيديولوجيا العنف والجهاد المستمر.

لهذا كله صعّدت إيران مؤخراً -من على صحفها- بنوع من الحرب النفسية لتغطية فشلها أمام الرأي العام الإيراني، الذي بدا متململاً من سياسات بلاده الخارجية، وما جرته من مشكلات اجتماعية آخذة بالتفاقم بشكل متصاعد، في الوقت الذي لم يجد فيه الإعلام الإيراني إلا معزوفته القديمة التي تهدد بها المنطقة والعالم، بوجود الميليشيات التابعة لإيران والشبيهة بحزب الله في كل مكان. ولهذا كله بدت إيران متمسكة أكثر من أي وقت مضى بأسطورة لحافها الطويل الممتد من العراق إلى سورية إلى لبنان فاليمن.

 

موقع إيران في الرهان الإيديولوجي:

شهد العام 2014 نقطة تحول في تاريخ السياسة الإيرانية في صراعها مع منطقة الخليج العربي، استُبعِدت خلالها عن طاولة المفاوضات، في الوقت الذي كانت فيه الرؤية الخليجية تأخذ بالتماسك والتبلور، فمنذ جنيف1 وجنيف2 مروراً بالتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية ومؤتمر باريس للسلام، ظلت إيران بعيدة عن مائدة التفاوض المباشر، في الوقت الذي تتمدد فيه بلحافها الرثّ في العديد من الخاصرات الرخوة في المنطقة.

 أدى فشل التفاهم الأمريكي-الإيراني 2013، إلى تراجع دور حركات الإسلام السياسي في الثورات العربية، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لابتداع مسارات براغماتية جديدة لإعادة تمكين تحالفاتها بما يصب ورؤية التحالف الثلاثي الخليجي (السعودية والإمارات البحرين)، حيث تشهد الدول الثلاث صراعات داخلية وخارجية مع إيران في ملفات شائكة تبدأ من الصراع على الدور الإقليمي بينها وبين المملكة، مروراً باحتلالها الجزر الإماراتية الثلاث، وانتهاء بالادعاءات الإيرانية بتبعية دولة البحرين لمناطق نفوذها

انعكست تداعيات فشل التفاهم الأمريكي – الإيراني 2013، على آليات التعامل الأمريكي مع الدولة المقلقة (إيران)، من خلال تهيئة مناخ دولي يضطلع بتكوين رؤية جامعة للشعب الأمريكي في حال فشل المفاوضات الجارية معها، وهو ماحصل بالفعل عندما أحال أوباما استراتيجيته ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى الكونغرس، قبل أن يوافق الأخير على دعم المعارضة السورية المعتدلة بالسلاح، ما يضع إيران من جديد أمام أهم ملفاتها في سورية.

منذ نهاية حكم الإخوان المسلمين في مصر، تأكدت القناعات الأمريكية بعدم قدرة القوتيين الإقليميتين إيران وتركيا في تشكيل تحالف في منطقة الشرق الأوسط على حساب التحالف الخليجي، بالرغم من الرغبة الأمريكية حينها بدعم القوتيين الإقليميتين، فقد جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للقاهرة أوائل مارس/آذار 2013، لتؤكد الرغبة الأمريكية لدعم الإخوان المسلمين في سياق من التفاهمات الإقليمية مع تركيا وإيران، اللتان انفتحتا على مصر خلال فترة الرئيس محمد مرسي (1)، في محاولة للضغط على القوة الخليجية ووضعها في  مهب التجاذبات والمصالح الإقليمية، وفي مقدمتها الخطر الإيراني (2).

لم تتوقف القناعات الأمريكية عند حدود التراجع عن فكرة أوباما بإقامة توازن إقليمي بين القوى الثلاث (إيران وتركيا والسعودية)، اذ بدت هذه الفكرة غير متحققة، بسبب الحاجز النفسي العميق بين القوى الثلاث، فقد انقلبت عقيدة التطييف الإقليمي على صانعيها (إيران وتركيا)، الأمر الذي انعكس على الثقافة الجماهيرية لشعوب المنطقة، مما أفرز حاجزاً نفسياً لم تستطع من خلاله الولايات المتحدة أن تحقيق معادلة التوازن بين القوى الثلاث.

 

موقع إيران في الرهان الإقتصادي: بين تحديات الداخل والاستنزاف الخارجي

في معمعة الثورات العربية، أدت سياسات الاستفزازات الإيرانية في المنطقة إلى  عزم كل من الدولتين الأهم في الخليج العربي (السعودية والإمارات) لإبراز قوتهما كلما اقتضت الحاجة لذلك، فتزامناً مع مرحلة التفاهم الأمريكي-الإيراني أرسلت المملكة العربية السعودية  برسائلها  إلى واشنطن مؤكدة –وعلى العلن- من خلال العديد من اللقاءات الصحفية للمسؤولين السعوديين في واشنطن، أنّ هناك العديد من الأسباب التي تجعل من بلادهم  القوة الأعظم في المنطقة، أولها أنّ المملكة تمثل مهد الإسلام، وأنّها تشكل  20 بالمئة من الدخل القومي للشرق الأوسط  وشمال أفريقيا، وأنّها تحوز ربع الدخل القومي للدول العربية، كما أنّها عضو مهم في مجموعة العشرين الدولية الأولى اقتصادياً في العالم، وأنّ البورصة السعودية تمثل أكثر من 50 بالمئة من تداول بورصات المنطقة، وأنّ خمس شركات سعودية من أصل عشر شركات في الشرق الأوسط، تختص بانتاج النفط ومشتقاته، وهي الدولة الثالثة في العالم من حيث احتياطها النقدي البالغ 850 مليار دولار، بينما تتجاوز الثروات الشخصية  الـ 500 مليار دولار. وهي الدولة الأولى في العالم في مجال تصدير النفط، والمتقدمة بأشواط بعيدة عن غيرها في مجال البنية التحتية لإنتاج النفط، والقادرة على تصدير 12.5 مليون برميل يومياً، فضلاً عن احتياطي في القدرة على إنتاج 2.500.000 برميل يومياً.

لذلك، من المستبعد على المدى القريب، أن يصل الأمر بأكبر دولة اقتصاد في العالم (الولايات المتحدة)، أنّ تقلل من مكانة ومنزلة منتج الطاقة الرئيس في العالم (المملكة العربية السعودية) لتشكيل تحالف مع دولة (إيران)، لاتزال حائرة بين المقاومة وإعادة الاندماج في النظام العالمي (3).

في التوقيت ذاته  أظهرت دولة الإمارات العربية المتحدة قدرتها في إعادة ترميم البيت الخليجي بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية والبحرين، وتشكيل التحالف الثلاثي الذي قلب موازين القوى في منطقة الشرق الأسط لصالح دول الخليج العربي، حيث أظهرت التجربة الإماراتية نمواً اقتصادياً بدى أكثر نمواً وتماسكاً في خضم ثورات الربيع العربي، إذا ما قيس بالضغوط والانهيارات الاقتصادية للتومان الإيراني؛ بسبب الاستنزاف الذي عانته من دعم حلفائها ولاعبيها غير الدوليين في العديد من مناطق تمددها، في الوقت الذي تتبلور فيه ماهية القوة لصالح تماسك البنى  الداخلية للوحدات السياسية المكونة للنظام الدولي، فقد   شهد العام 2014 تربع  الإمارات على المركز الأول في العالم في مؤشر مرونة الأعمال، والثانية على صعيد الشرق الأوسط والرابعة عشر عالمياً في مؤشر قوة الاقتصاد، وهو الترتيب الذي اعتمد على أساس مستوى دخل الفرد من إجمالي الناتج القومي والمخاطر السياسية، حيث أحرزت الإمارات 71,17 نقطة من أصل مئة، وذلك وفقاً لمؤشر المرونة الصادر عن مؤسسة” إف إم غلوبال” لعام 2014 (4).

لذلك من المستبعد أيضاً، أن يصل الأمر  بأقوى اقتصاديات الشرق الأوسط، أن تتنازل بسهولة عن مكانتها في فرض إرادتها السياسية  في العديد من الملفات المتشابكة مع إيران ، لاسيما وأنّ محددات الأمن القومي في دول العالم آخذة بأهمية الأدوار الإقتصادية، وليس الإيديولوجية على الطريقة الإيرانية، ولن يكون الرابح في الصراعات الدولية إلا الأكثر قدرة وثباتاً في تحمل التبعات الاقتصادية، وهو ما أثبتته السعودية والإمارات على أرض الواقع في الحالة المصرية، التي شكلت أعقد الملفات لإعادة ترتيب القوى الإقليمية في المنطقة، بل وشكلت الأساس في تشكيل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وإلا لماذا استبعدت إيران وارتبكت تركيا؟

لقد وقعت الدبلوماسية الإيرانية في فخ أسطورة لحافها الطويل، الذي بات مؤشراً لانقلاب السحر على الساحر، فها هي اليوم تواجه بالإضافة لتحدياتها الداخلية استنزافات خارجية لدعم مناطق تمددها، حيث تواجه مصيرها لوحدها سواء في محيطها الإقليمي أو في صراعها مع الغرب، وفي كلا الحالتين تبقى آخر أوراقها مرهونة بالحالة السورية، التي أصبحت حرباً دولية ضد الإرهاب.

إذاً، تقف إيران اليوم أمام ماتؤول إليه آخر حروبها، سواء في اليمن المحسوم أمره دولياً بخضوعه تحت الفصل السابع من الميثاق، أو العراق الآخذ بتحولات في القوة لصالح الأكراد، كمكون عراقي داخلي على حساب القوة الخارجية لإيران، أو في سورية التي ستنتهي فيها الحرب الدولية. وككل الحروب التي لابد لها أن تنتهي، لن يكون موقعاً لإيران يعيد استنساخها كما كانت.

د.محمد خالد الشاكر

باحث وأكاديمي سوري

خاص مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

pdf

تحميل نسخة إيران وفخ أسطورة اللحاف الطويل لمن تقرع الأجراس PDF

الهوامش:

(1) د. محمد السعيد إدريس، ” تحولات مؤثرة.. الإطار الإقليمي بين دول الخليج ودول الثورات العربية”، مجلة السياسة الدولية، العدد 192، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، 2013)، ص 102.

(2) George E. sham Baugh, states firms and power: succeful sanctions in united states foreign policy,( sunny press 1999),p23

(3) فريد ريكويري، كريم سجادبور، ” توازن بعيد المنال: أمريكا والمملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط المتغير”، مركز كارينجي، 28 مايو/ ايار 2014. http://www.carnegie-mec.org/2014/05/28

(4) الإمارات الثانية إقليمياً والـ 14 عالمياً في قوة الاقتصاد، صحيفة الخليج، السبت 11 أكتوبر/ تشرين أول 2014. http://www.alkhaleej.ae/economics/page/2465d298-d3b6-421c-9c55-99524b7bdbe6

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق