إيران و”رقصة زوربا الأخيرة”: ما وراء التدريبات الإيرانية – الصينية في الخليج العربي

شكل الاستبعاد الإيراني من الحلف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أولى مؤشرات عزلة إيران عن المجتمع الدولي، فالدولة “الإسلامية” الأخبر بحركات الإسلام السياسي، والتي طالما ضغطت في كل مفاوضاتها بدرايتها وخبرتها وعلاقاتها الشائكة مع تلك الحركات، تم الاستغناء عنها ببساطة، في خطوة لا يرى فيها الغرب إلا مقدمة لـ ” ترويض البركان” الإيراني.

 لا تفوّت إيران أية فرصة تحاول من خلالها إظهار قوتها أمام جيرانها الخليجيين، وفي أية مناسبةٍ، ومهما صَغُرت، ولعل آخرها ما أفردته الصحف الإيرانية بعناوينها العريضة حول ” التدريبات العسكرية البحرية المشتركة بين إيران والصين، التي وصلت قواتها البحرية إلى بندرعباس، لإجراء تدريبات مشتركة تستمر خمسة أيام” 1، بدءً من يوم الأربعاء 24/9/2014.

  كيف غير الغرب خطته مع إيران؟  

شكلت عقيدة الانكفاء الأمريكي وعدم التدخل العسكري المباشر منذ وصول أوباما إلى السلطة، عقيدة استراتيجية أمريكية جديدة للدولة التي عانت من انتكاسات داخلية بسبب حروبها الخارجية ضد الإرهاب والدول المارقة.

عقد من الزمن مضى، طاوياً معه العديد من القرارات الدولية الصادرة تحت الفصل السابع بشأن محاربة الإرهاب بدءً من القرار 1373 وانتهاء بالقرار 2170، في الوقت الذي لم تلمس فيه الولايات المتحدة أي تقدم ملحوظ في مواجهة التنظيمات الإسلامية المتطرفة، التي أصبحت تهددها في قلب مصالحها الحيوية.

  المعارك الكبرى التي خاضتها الدولة الأعظم، تحولت اليوم إلى معارك صغيرة ومتشظية، لم تأت إلا بنتائج هزيلة للغرب، قابله تمدد لإيران، أصبح ورقة الضغط الأهم لها في التفاوض بشأن برنامجها النووي.

عقد من التجاذبات بين إيران والولايات المتحدة، لم تحصل خلاله الأخيرة على أدنى استحقاقات الشراكة أو الالتزام، بما فيها تلك المراحل التي شهدت تفاهمات وتحالفات أمريكية -إيرانية، في معرض التعامل معها كقوة الإقليمية – أو شرطي- يعول عليه التنسيق في استقرار المنطقة، الأمر الذي شكل خرقاً لميزة التوازن الإقليمي، الذي تنشده الولايات المتحدة حفاضاً على مصالحها في المنطقة.

 و لطالما فكرت الولايات المتحدة بضربة عسكرية لإيران، إلا أنها كانت تدرك التداعيات الخطيرة لهكذا عمل، فإيران –حسب الرؤية الأمريكية- لن تتورع في مواجهة ذلك بإغلاق مضيق هرمز وربما مهاجمة المنشآت وحاملات النفط في الخليج العربي2، ودون أدنى شك لن تتورع أيضاً في تثوير العامل الجيوبوليتكي الشيعي من خلال  تأجيج خلاياها من ميليشيات وأحزاب سياسية وعسكرية.

ومع اندلاع الثورات العربية، أصبحت المهام الأمريكية أكثر صعوبة في ترويض البركان الإيراني، فقد استفادت إيران من “أسلمة “الثورات العربية، التي أفرز نفساً طائفياً جرته تداعيات حصادها الهزيل، مما أعطى إيران قوة إضافية في التفاوض مع الغرب في حال اللجوء للخيار العسكري معها، بسبب ما سيتركه ذلك من تداعيات تقف وراءها المكونات التي تتعاطف مع إيران، سواء في دول الخليج العربيأو لبنان أو اليمن وغيرها.

هل تدرك إيران ثوابت النظام الدولي: الصين والولايات المتحدة دعمتا البنية الدولية:

ظلت العقيدة الأمريكية في التعامل مع الصين تقوم على سياسة الانفتاح على البلد الأقوى داخل آسيا، فمنذ العام 1972، نجحت الولايات المتحدة في ترويض التنين الصيني وجرة إلى حظيرة النظام الدولي، إبان الحرب الباردة وفي أوج فترة الصراعات ذات الطابع الإيديولوجي.

 كانت الصين وقتها بأمس الحاجة للخروج من عزلتها الدولية، التي أقصتها من شغل مقعدها الدائم للأمم المتحدة لأكثر من عشرين عاماً، عانت الصين خلالها من مشاكل اقتصادية وتحديات داخلية، دفعتها للقبول بالانفتاح على “العدو” الرأسمالي.

الصين اليوم أحوج من أي وقت مضى للولايات المتحدة، قياساً بحجم التحديات التي تواجه البلدين، في نظام دولي يتأسس على التشاركية الاقتصادية، حيث تشكل الصين والولايات من أهم ركائز هذا النظام، الذي يتطلب منهما تقاسم المهام الدولية من جهة، والحفاظ على التوازن بين القوى العظمى ودعم النمو الاقتصادي ومجابهة الإرهاب، والحد من انتشار الأسلحة النووية من جهة أخرى.

معادلة تدركها إيران في العلاقة بين القوى العظمى، بالرغم من القلق الامريكي المتصاعد إزاء قدرات الصين الاقتصادية والسياسية، وبالرغم ايضاً من علاقات البلدين التي مازالت أبعد من الرؤية الإيرانية، التي مازالت تنام في عقيدة الصراعات الإيديولوجيا الكلاسيكية التي تعود إلى مرحلة الحرب الباردة ومناطق النفوذ، التي لم تعد عقيدة الصين أو الولايات المتحدة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي.

 لقد تحولت المشكلات الإيديولوجية بين الصين والولايات المتحدة إلى مجرد مشكلات هامشية لا تؤثر على بنية النظام الدولي، القائم على تقليل الخسائر وتعظيم المنافع المشتركة، التي تشير إلى أن الاقتصاد الصيني الداخلي يتأسس اليوم في مجمله على جذب الاستثمارات الأمريكية والغربية، حيث في تتربع الصين اليوم على المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة في جذب الاستثمارات الخارجية وفي مقدمتها الاستثمارات الأمريكية.

لهذا كله، لا يمكن النظر إلى الدعاية الإيرانية حول التدريبات العسكرية المشتركة بينها وبين الصين على أنها استفزازاً صينياً – إيرانياً مشتركاً للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، بقدر ما هو إيحاء منها لإبراز قوى وهمية جديدة في إطار لعبة الرعب الذي تتقنه السياسة الإيرانية في التعامل مع محيطها.

إيران والصين: دبلوماسية الحفاظ على الأوضاع السياسية الراهنة:

 في الجانب الآخر، لا ترى الولايات المتحدة في الاقتصاد الصيني إلا بكونه ” طفرة الاقتصادية”، إذا ما قيست بالتحديات التي تعصف بمفهوم الدولة المعاصرة، فالصين مازالت – مثلها مثل كل الدول الفقيرة- تعاني من مشكلات تقليص الفوارق في مستويات الدخل بين الريف والمدن، الذي لا يتناسب وقوة دولة عظمى مثلها، لذلك ظلت الأولوية بالنسبة للسياسة الصينية هو عدم الاصطدام مع السياسة الأمريكية في ملفات تهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة،  وهو ما يفسر حرص الصين الدائم في الحصول من الولايات المتحدة على التكنولوجيا الحديثة لتطوير قطاعاتها الصناعية والإدارية.

 بالرغم من ذلك، لا تخفي السياسة الخارجية الصينية رغبتها في إيجاد نوع من التوازن والتوفيق في علاقتها بين القوى الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط، لذلك فمن غير المستغرب أن تلعب الدبلوماسية الصينية على وتر الإبقاء على الأوضاع السياسية في المنطقة، إلا أنها تدرك في ذات الوقت تأثيرات العولمة ودعوات الإصلاح والانفتاح، التي أصبحت تهدد الشارع الصيني ذاته، الذي يعاني اليوم من الأوضاع الاجتماعية والسياسية السيئة، حيث تشير الاحصائيات أن حوالي 140 مليون من العمال الصينيين- أي ما يعادل 15% من الأيدي العاملة في الصين- هم عمال متنقلين ليس لهم محل إقامة، وأن الاستثمارات الضخمة في البلاد لم تستطع بعد أن تحل مشكلة الدخل، حيث يعيش أكثر من 400 مليون صيني على اقل من دولارين في اليوم، في الوقت الذي تتفشى فيه ظاهرة الفقر والأوضاع الاجتماعية السيئة في المجالات الصحية، وانتشار الأمراض الوبائية كالسارس والإيدز، وعدم توفر الخدمات الأساسية خاصة في المناطق الريفية، يضاف إلى ذلك الطبيعة الاستبدادية للنظام السياسي وانتفاء حرية التعبير3، وهو ما يفسر الأدوار الصينية في المحافظة على الأوضاع السياسية القائمة في الشرق الأوسط، وموقفها أيضاً من  الثورات العربية، التي لا تريد منها أن تصبح عقيدة أو ثقافة تطالها داخلياً أو دولياً.

الصين وإيران: احتياجات تكتيكية صينية لا ترقى للتحالف الاستراتيجي:

تبدو العلاقات الصينية و تحالفاتها الإقليمية سواء مع إيران أو غيرها، حالة من السعي الصيني للمحافظة ما أمكن على البيئة الإقليمية الراهنة، دون أن تتنازل عن دورها الأساسي – كقوة عظمى- داخل  التركيبة الاقتصادية والسياسية للنظام الدولي، لذلك في اليوم تعول على الولايات المتحدة في تطوير بناها الاقتصادية والتكنولوجية والتقنية، بما يؤهلها لرسم خطة استراتيجية طويلة الأمد تكون فيها لاعباً مركزياً في عالم العولمة.

 لذلك وكما ظهرت الصين المستفيد الأكبر من التوجهات الأمريكية في استقرار منطقة شرق ووسط آسيا بعد الحرب العالمية الثانية، فهي مازالت تشارك الولايات المتحدة – ولو بالصمت- مسألة الحفاظ على توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط، وبما يحول دون تحول إيران إلى كومنولث شيعي.

 وعليه، لا تسعى الصين في تدريباتها مع إيران استعداءً للولايات المتحدة، كما لا تسعى بأن تكون شريكاً استراتيجياً لإيران، كما تحاول الأخيرة أن تتباهى بذلك، بقدر ما تنطلق من الحرص الذي تنشده الصين في التعامل مع ما يلبي حاجاتها الصناعية، وبما يلبي أيضاً احتياجاتها الاستراتيجية بتشكيل تحالفات ذات بعد اقتصادي والبحث عن موارد طبيعية جديدة، في دول تحاول أن تظهر متفقة معها سياسياً، وهو ما يفسر المواقف من إيران كما مواقفها من ملفات الثورات العربية.

إيران: بين العزل الدولي والربيع الفارسي: 

إذاً، تسعى إيران من خلال تضخيم دلالات العمل العسكري المشترك مع الصين في مياه الخليج العربي، إلى إرسال رسائلها هنا وهناك، فهي تدرك من الناحية الاقتصادية، أن الصين ثالث شريك تجاري مع الولايات المتحدة، وأن على أراضيها مئات المليارات من الأصول المالية الأمريكية.

أما من الناحية السياسية فإن مصالح البلدين العظميين (الولايات المتحدة والصين) متشابكة إلى درجة تجعل من العداء أمراً مستبعداً، مما يجعل من تضخيم إيران للحدث الصيني في الخليج العربي مجرد “بروبوغندا” إعلامية، لذر الرماد في العيون، أو أشبه برقصة إيرانية على طريقة زوربا في مواجهة العزل الدولي، الذي سيدفع إيران – وحدها – للدفاع عن ملفاتها المتشعبة في المنطقة العربية، وما يجره ذلك من استمرار لاستنزاف إيران على الصعيد الداخلي، ما يضعها  في فخ  جديد مع الغرب، قد يؤهلها لربيع فارسي.

د. محمد خالد الشاكر

نقلا عن مركز المزماة لدراسات والبحوث

الوسم : إيرانالصين

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق