إيران والسعي لأوبمة ترامب

يُعتبر فوز ترامب ظاهرة طارئة على الإدارة الأمريكية، ما يعكس تطوراً ملفتاً يدور في مكامن واقعها الاجتماعي، واقعاً قد يُنذر بأفول نجمها واضمحلال دورها، أو يمهد لولادة أمريكا جديدة، تختلف سلباً او إيجاباً عن أمريكا ما قبل 8 نوفمبر 2016.ودون استشراف الأسباب وتمحيصها، ثمّة عناصرمهمة، قد يكون لها أثر فاعل في سيرورة هذه الظاهرة.

أولها: عمق الشرخ بين جزء واسع ومؤثرمن الشرائح الاجتماعية وبين المؤسسة السياسية، إذ إن انتخاب ترامب لم يتأتَ نتيجة الاعجاب بشخصيته، أو نجاح تجاربه، أو حتى خطابه الشعبوي البعيد كل البعد عن البراغماتية والواقعية، بل إنه خيار السيئ دون الأسوأ كما يراه المراقبون.

الثاني: تراجع دورالمؤسسة النخبوية الرسمية وشبه الرسمية والتي رهنت إرادة المجتمع وتحكمت بمصيره عبرصناعة الرأي العام ورهن قراره. كل هذا يأتي كنتيجة طبيعية للفشل المتواصل للإدارة الأمريكية في التوفيق بين جشع الرأسمالية وبين تعزيز قيم الديمقراطية والذي تزايد طيلة عهد بوش الأب حتى أوباما.

وعليه، يمكن وصف ماحدث بأنه ثورة تمرد على السائد، استثمرالشعب خلالها القيم الديمقراطية لإحداث تغيير حقيقي يحقق طموحاته. أجل، إنها ثورة غضب دستورية، تتشكل من قاعدة شعبية متضرره من سياسات التهميش الطبقي والنخبوي وهيمنة أباطرة الرأسمالية والمال والإعلام السياسي، والتي وجدت متنفسا تمثّل بشخصية ترامب المثيرة، وشعاراته المتناغمة مع أنين المضطهدين وذلك عبر كسر طوق المجاملات السياسة بفأس جسارته، وإن اتسمت بالوقاحة والرعونة والهبل السياسي كما يصفها البعض.

إنها صرخة مدوية، انبعثت من أعماق الأمريكيين أنفسهم، بعد أن دفعت شعارات ترامب المهاجرين والمسلمين وأمثالهم، للاحتماء بخصمه منه. صيحة تعالت بوجه الديمقراطيين والجمهوريين وحتى بوجه ترامب نفسه على حدٍ سواء، والتي ما إن أدركها وآمن بها، وعمل عليها الرئيس وفريقه الجديد، إلا وخلّدته زعيماً ليس للشعب الامريكي فحسب، بل للعالم اجمع.

لقد اندهش العالم بأسره بهذا الحدث الخطير، ولم يخفَ عجزه عن فهم ما ينويه ترامب من تهور ومفآجئات قد يكون في مقدّمتها إلاّ مفآجئات! ما إن تم ترويضه بطوق جمهوري مطّلي بصبغة شعبوية، وتسويفٍ وترحيل للأزمات كما فعل سلفه. ومن الطبيعي أن يزداد الغموض في الملفات المرتبطة مباشرةً بالقرار الأمريكي، والتي يعتبر ملف إيران ودورها في المنطقة من أهمها، خاصةً وإن ترامب وفي حملته الانتخابية أبدى نقدا لاذعا للاتفاق النووي، ووصفه بأسوأ اتفاق في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية، معتبرا إيران أكبر دولة راعية للارهاب، وداعياَ لليّ عنقها وترويضها وتقليم أضافرها.

ورغم أنه من المبكر فهم نهج تعامل ترامب مع العالم، خاصة في الشرق الأوسط وخصوصاً إيران، إلّا أنه هناك مؤشرات عدة منها ما رشح من ترشيح أسماء لتولي الخارجية والدفاع، ينبأ بواقع شائك قد ينسف ما تم بناؤه بين إدارة أوباما وإيران طيلة العقد المنصرم.

 

الارتباك الإيراني:

الإيرانيون بدورهم، وبخلاف ما يدّعون، قدّموا كلّ الدعم بسخاءٍ لإدارة أوباما، بعد أن صادروه لصالحم وادّعوا هزلاً بأنه من أصول إيرانية! وأن حتى اسمه يتكون من ثلاث مفردات فارسية (او=هو با=مع ما=نحن) يعني –إنه معنا-، ودعموه بالاستسلام لما تم إملاءه عليهم في مفاوضاتهم النووية، وخنوعهم المُهين، بعد مصادرة ودائعهم لاتهامهم بالارهاب، وإذلالهم بالتملص من تنفيذ بنود الاتفاق، وتوالي إصدار قرارات الحصار، مروراً بتوظيف إيران وأذرعها في المنطقة بغية تنفيذ ما كان من المقررأن يدعم و يساهم في رفع رصيد المرشح الديمقراطي، ومن آخر وجوه الدعم، توقيت عملية الموصل عشية الانتخابات، كل ذلك، طمعاً باستمرار إدارة أوباما والتي أطلقت يد إيران في المنطقة ودرّت عليها مكاسب ما كان كسرى ولا خميني يحلم بها قط.

لكن رغم قليل ما ظهر وكثير ما خفى من تواطئ وسخاء بالدعم والشراكة، ورغم التظاهر في تماسك الموقف الإيراني إثر هزيمة هيلاري والذي من شأنه أن يهزم الرئيس الإيراني (روحاني) بالانتخابات المقبلة أمام المتشددين، إلّا أن ملامح القلق والهزيمة  بدت  واضحة على تقاسيم المشهد السياسي الإيراني، وبدت مواقفهم  وتصريحاتهم مرتبكة، فوزير خارجيتها في أول ردة فعل له، سعى جاهداً لانتشال  موقفه وطمأنة نظامه حين قال “على الأمريكيين تنفيذ الاتفاق النووي“، أما وجه الرئيس بدى منكمشاً ويآساً، حين ادّعى” بأن السياسة الإيرانية لم تتأثر، لا في القرار الأمريكي ولا غيره“.

وراح بعض القادة الإيرانيين ينقّب في هفوات وشطحات ترامب، علّه يجد ما يسعفه لاستدراك الموقف، حتى نفخوا الحياة بما قاله ترامب من أنه “سيعالج ثغرات الاتفاق النووي“، مطمئنين شعوبهم المقهورة، بأن ترامب، لن يمزق الاتفاق النووي أو يحرقه كما هدد بعض الإيرانيين ومنهم خامنئي نفسه.

وأبرز ما جاء في هذا السياق تصريحات “علي مطهري” نائب رئيس البرلمان الإيراني ونجل منظّر الثورة الاسلامية في إيران، ممتدحاً ترامب، واصفاً إياه بأنه صريحٌ، شفافٌ وغير منافق. مستنتجاً أنه هو الخيار المفضّل لإيران وسيعمل لصالحها مستقبلياً.

وسواءً أكانت تصريحات “مطهري” تعبّر عن وجهة نظره أم تعكس سياسة نظام ولاية الفقيه، فمن المرجّح أن تكون هي الاستراتيجية المتّبعة والتي يسعى الايرانيون لاعتمادها في التعاطي مع الإدارة الأمريكية الجديدة، بعد هذا الزلزال الكارثي الذي أرّق رؤساء دول عظمى كفرنسا فدفع برئيسها للتنويه بضرورة توخي الحذر في التعامل مع هذه الكارثة.

فالواقع السياسي والاقتصادي الإيراني الفاسد والمتآكل، والغضب الشعبي الداخلي والاستياء الإقليمي المحيط بإمبراطورية كهنوت ولاية الفقيه، وطبيعة نظامها الدكتاتوري الدموي المتخلف، وشهرتها بخنوعها وتحاشيها الصدام العسكري حين يشتد الوطيس، لم يجعل أمامها إلا خيارين أحلاهما مر: إمّا الذهاب للمواجهة وهذا ما لا يقدرون عليه، أو السعي لاحتواء الإدارة الأمريكية وخفض جناح الذل والهوان، وما إن رجح هذه النظر، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماهي السبل التي سيعتمدها الإيرانيون لاحتواء الإدارة الأمريكية الجديدة؟ وماهي الآليات المتاحة أمامهم لإنجاح مهمتهم؟ التي سيعملون على تحقيقها عبر محورين اقتصادي وسياسي:

  • المحور الاقتصادي:

1-الواقع الاقتصادي الأمريكي: يرى الإيرانيون أن الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي-الأوربي يواجه تحديات حقيقية، وقد صرح بذلك أخ ترامب الإيراني في الرعونة السياسية الرئيس الإيراني السابق “أحمدي نجاد” تكراراً، ومن هذا المنطلق يقرأ الإيرانيون ترامب بمنظار المعاملة التجارية وأن أولوياته ستنصبّ على معالجة الواقع الاقتصادي الأمريكي، وسياساته الخارجية ستوَظّف للمكاسب الاقتصادية، وبما أن إيران تمتلك فرص استثمارعديدة، ستوفر مناخا مواتياَ وسخيا ومغرياً يقلل من وطأة الضغط عليها سياسياً، سيّما وأن ترامب لن يكترث بما اهتم به سلفه من حكايات الدمقرطة وحقوق الإنسان وماشابه ذلك.

2-التحكم بمصادر الطاقة وممراتها: ستفعّل إيران أذرعها في محيطها ليس لتعزيز مشروعها التوسعي وبسط نفوذها السياسي فقط، بل لخلق الأزمات وإرباك تركيا والسعودية ودول الخليج سياسيا وأمنياً بغية استنزاف اقتصاداتها وتسويق نفسها على أنها تتحكم بالأمن الاقتصادي في المنطقة.

إيران وكما تقترب من إحكام قبضتها بشكل غير مباشر على معظم موارد الطاقة في الشرق الأوسط (العراق واليمن حيث أكبر مخزون بترولي) وفي المتوسط (لبنان وسوريا)، تصارع بشراسة للسيطرة والتحكم بـأهم الممرات الاقتصادية الإقليمية في المنطقة بدءً بقناة هرمز وباب المندب ومروراً بمد جسر إمداد الطاقة من بحر خز إلى المتوسط، وعلى ذلك، فإنها كما تنشر الفوضي في المنطقة تنصّب نفسها حارساً لها، الأمر الذي قد يصعب على أمريكا وغيرها القيام به بشكل مباشر نتيجة هيمنة الطائفية السياسية وتلاشي منظومة بعض الدول العربية.

ومما يؤكد صحة القراءة الإيرانية للواقع الاقتصادي الأمريكي إدراكها لتوقف حياة أمريكا على تأمين احتياجاتها من الطاقة، إذ إنها لا تمتلك إلا 2% فقط من موارد الطاقة العالمية، بينما تستهلك أكثر من 25% من مجموع الطاقة في العالم.

أما تهورها في السعي للسيطرة على مصادر الطاقة في المنطقة العربية فينم عن إدراكها بأن من يقبض بزمامها سيكون هو الأجدر في التحكم في العالم، و في هذا السياق يقول المنظّر الشهير ”دیوید هاروی” إن «من يسيطر على مصادر البترول في الشرق الاوسط، سيتحكم بجميع مصادر البترول العالمية، ومن يتحكّم بها سيسيطر على اقتصاد العالم بأسره». ويقول السيد “مایکل‌ کلر”، أستاذ دراسات الأمن والسلم العالمي في جامعة “همبشاير” ومؤلف كتاب “الصراع على الموارد”:‌ إن السيطرة على العراق لا تعني السيطرة على موارد الطاقة فحسب، بل يعني امتلاك القوة والسطيرة على كلٍ من اليابان والصين وأوروبا، ما يعني القبض على مقاليد السلطة في العالم”.

ب: المحورالسياسي:

1-التركيزعلى الداخل الأمريكي: استراتيجية ترامب بالتركيز على الداخل الأمريكي، وحصر الاهتمام بمعالجة مضاعفات المشاكل العالمية بمدى تأثيرها عليه، سيوسع  من حجم الفراغ الأمريكي في المنطقة، مما يزيد من شهية إيران التوسعية والتي لا ترى ديمومةً لنظامها إلا عبر بسط نفودها الإقليمي، ويشجّعها لتسويق نفسها لاعبا إقليمياً ودولياً مهمّاً ويجعل منها حارساَ للمنافع الأمريكية في المنطقة، ومما يعزز لياقتها لذلك، ما قطعته من مشوار في توظيف الورقة الطائفية، وتجنيد أذرعها في المنطقه، في ظل تضاؤل الدور الإقليمي لخصومها الإقليميين  كتركيا والسعودية.

2-المصالح الإسرائيلية –الإيرانية المشتركة:

إيران ومن خلال تدخلها الإقليمي وتمزيق الأنظمة والشعوب العربية، استطاعت أن ترفع عبئاً كبيرا عن كاهل إسرائيل، فتدمير العراق وتمزيق شعبها لطوائف، واحتلاله سياسياً وعسكرياً، وتدّخلها السافر في سوريا وإقناع نظامها بالتشبث بالسلطة وتمزيق البلد، وتشجيعه للتخلي عن ترسانته الكيمياوية وتدمير آلته العسكرية، ودورها السلبي في كلٍ من لبنان واليمن، لم يشغل العرب المنشغلين أساساً عن القضية الفلسطينية فحسب، بل إنه وفّر مجهودا أمنيا وسياسيا وعسكريا كبيراً لصالح إسرائيل، وأدخل القضية الفلسطينية في متاهة لا يعلم مصيرها وحدودها إلا الله والراسخون في العلم.

وبما أن سياسة ترامب تجاه إسرائيل واضحة، فإنه سيقرأ الفاتحة عند قبر حل الدولتين، وسينقل سفارة دولته الى القدس. وإن هناك مسعى دبلوماسيا أوروبيا حثيثا خاصة من قبل ألمانيا لإقناع الإيرانيين بإشهار الاعتراف رسميا بإسرائيل، فإيران ستكون المرشح الأفضل للشراكة الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية في المنطقة مقارنةّ بتركيا ومصر والسعودية.

3- جامع التناقضات الإقليمية:

استطاعت إيران ومن خلال جرّ روسيا لحلبة الصراع، أن تساهم في إنعاش دورها الإقليمي في المنطقه والذي ساهم في إذكاء كل من أمريكا والنيتو ودفع بهما لاستدراك دورهم الإقليمي في خلق واقع جديد في المنطقة، وبذلك استطاعت أن تشعل فتيل الصراع بين أعظم قوتين في العالم، وتجعلهما حليفان لها يتجاذبانها. من جانب آخر فهي تسعى للعب على التناقضات الإقليمية الأخرى، مثل التنافس الأمريكي-الصيني، والتوتر المصري-التركي، وأيضا الباكستاني-الأفغاني وحتى إذكاء الخلافات في البيت العربي والخليجي. وعليه، مما يزيد من رصيد ترشيحها لحراسة مصالح ائتلاف التكالب الأمريكي-الإسرائيلي-الروسي-الصيني في المنطقة، مقارنة بغيرها، حتى الساعة.

ج:الآليات:

بغض النظر عن إذكاء واستغلال الطائفية السياسية من قبل إيران، والتي تعتبر أخطر تحدٍ تواجهه المجتمعات والأنظمة العربية على حدٍ سواء، فهناك آليات وأوراق سياسية اخرى قد توظفها لاحتواء سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة، من أبرزها:

1-موروث دبلوماسية إدارة أوباما:

لا شك أن الإيرانيين ومنذ قيام ثورتهم عام 1979، وهم يسعون لمد جسور الثقه وتعزيز العلاقة مع أمريكا، وقد ساهمت بعض الأحداث في نضج وترسيخ هذه العلاقة بعيداً عن الشعارات والتصريحات المزيفة، ومن بين هذه الأحداث قضية الرهائن الأمريكيين، والدعم الامريكي لإيران في حربها مع العراق والذي انفضح بعضه بما يعرف بـ “ايران جيت”، والدعم الايراني لأمريكا في حربها على العراق عامي 1990 و2003، والدعم المتقابل في الحرب على طالبان، وصولاً لما يجري في سوريا والعراق من شراكة سياسية وعسكرية تحت ذريعة محاربة الإرهاب، والذي تُرجمت مكاسبه ضمن المفاوضات الإيرانية الأمريكية التي وصفت بأنها منحصرة في المشروع النووي، في الوقت الذي مهّد لشراكة استراتيجية وأسّس لمنظومة منافع ومصالح متداخلة بينهما، لم يعد من من السهل التفريط بها، بل من المرجّح أن يتم العمل على تفعيلها واستثمارها بشكل اوسع.

2- اللوبي الإيراني في الإدارة الأمريكية:

الإيرانيون ورغم اختلافاتهم السياسية والدينية، يجمعون بالدفاع عن مصالح الدولة الإيرانية، وبما أن الجالية الإيرانية في أمريكا استطاعت أن تنفذ لمفاصل الدوائر الأمريكية، وهي على تماس مباشر وموثر من صنع القرار الامريكي حيال إيران ، فلقد لعب اللوبي الإيراني دورا موثرا في إنجاح المفاوضات النووية، وساهم في إبعاد شبح الحرب عن إيران، واتضح ذلك جليا في الأسماء المتدوالة في الإعلام ضمن حملة الانتخابات الأمريكية الأخيرة، تصدّربعضها الواجهة في المعسكرين ومن بين هؤلاء، الأمريكي-الإيراني (بيمان) الذي مثّل ترامب في لجنة الصداقة اليهودية الداعمة لحملته، الأمر الذي من شأنه أن يساعد في  تعزيزالثقة بين الدولة الإيرانية وبين الإدارة الأمريكية الجديدة.

3- دورالوساطة الإقليمية:

من المبرهن أن الرئيس الروسي “بوتن” حليف إيران الاقليمي، يحظى بعلاقة وطيدة مع السيد ترامب وفريقه، مما سيساهم في ترويض السياسة الأمريكية حيال النظام الإيراني. من جانب آخر تسعى إيران لاستغلال الخلافات السعودية-المصرية وتأمين ما تحتاجه مصر من محروقاتٍ، بعد أن أوقفت السعودية إمدادها بذلك نتيجة موقفها حيال الأزمة السورية. إيران، وبعد أن غازلت مصر طويلاً، تحاول عزلها عن السعودية بأي ثمن ممكن، كي تفرض مزيداً من عزلة الأخيرة والاستفراد بها في اليمن، سيما بعد كشف حجم العلاقة الودية بين السيسي وترامب، مما سيدفع بها لمضاعفة جهودها الدبلوماسية وبذخها للحكومة المصرية بغية توظيفها لصالح تعزيز العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

5-انعدام المشروع العربي:

انعدام المشروع العربي الشامل على الصعيد الإقليمي والدولي سيسهل على إيران مهمتها في احتواء الإدارة الأمريكية، وستفعل كل ما بوسعها للحيلولة دون تقارب عربي-أمريكي بقيادة المملكة العربية السعودية، ومن أخطر الخيارات التي ستنتهجها لتحقيق ذلك، خلق بديل موازٍ للتمثيل العربي يتكون من حلفاء إيران من العرب مثل العراق وسوريا ولبنان والجزائر وغيرهم.

6-رئيس إيراني أصولي ومتشدد:

منذ الثمانينات وهناك ثماثل في تناوب الحكومات الإيرانية-الأمريكية للصعود للسلطة (مع الاحتفاظ بالفرق الشاسع)، فرغم دكتاتورية النظام الإيراني وزيف العملية السياسية، إلا أن النخب السياسية الإيرانية والتي تمارس السلطة ضمن منظومة نظام ولاية الفقيه، وعبرعملية توزيع الأدوار، تسعى للتكيف مع طبيعة الحكومة الأمريكية، ممايرجّح تولي الجماعات المتشددة والمتصّفة بالتطرف للسلطة التنفيذية في الانتخابات الإيرانية المقبلة، خاصة وأن من يصفون أنفسهم بالمعتدلين يعيشون وضعا صعبا بعد تبدد ما علقوا عليه جميع آمالهم.

كلمة أخيرة:

استناداً لما ذُكر، من المرجّع  أن يواصل الأمريكيون والإيرانيون سياسة الاحتواء المتقابل مع تقليص دائرة حجم المكاسب السياسية وتوسيع دائرة المكاسب الاقتصادية، وتبني استراتيجية مشتركة على حساب المنطقة والدول العربية، مما يدعو لتحريك وتفعيل دبلوماسية عربية مضاده وفاعلة تبدأ في ترميم العلاقة المصرية-السعودية وحلحلة الأزمة اليمنية والتلويح بالأوراق الاقتصادية والتي ستشكل الأولوية الأولى لترامب، سيما وأن العرب يمتلكون أوراقا اقتصادية أقوى من ما تمتلكه إيران ويتمتعون بعلاقات تاريخية واستراتيجية قديمة مع الجمهوريين.

 

د. جعفر الهاشمي

باحث في العلاقات الدولية ومختص بالشأن الإيراني والعربي

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق