إيران والحصار المزعوم

حررت أمريكا أموال إيران المجمدة وهي ما يقارب أربعة ونصف مليار كنتيجة للاتفاق النووي وما نتج عنه من التزامات ترتبت على الطرفين. سياسيا يبدو وكأن الصراع أوشك على الانتهاء بنتيجة التعادل بين الطرفين. بالنسبة للمجتمع الدولي إيقاف تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، وهذا ما تحقق وما أعلنته إيران نفسها. وبالنسبة لإيران فك الحصار الجزئي المطبّق عليها الذي نتصور نحن أنهكها كثيرا وعطل الكثير من مشاريعها الحيوية الأهم من مشروعها النووي نفسه، ويبدو أن هذا الهدف في طور التحقق أيضا.

لكن على أرض الواقع و في ما يخص إيران هناك الكثير مما يجب علينا النظر إليه إن أردنا فهم حقيقة ما يدور حاليا في أذهان الساسة الإيرانيين بعد اتخاذهم لهذه الخطوات التي فاجأت الجميع. في الظاهر يبدو وكأن إيران في مأزق مالي مدمر إن لم تستطع تخليص نفسها منه ستزول لا محال وستتفتت على أقل تقدير إلى ست دول بعدد الشعوب الفاعلة سياسيا في جغرافية إيران الحالية للتخلص من الهيمنة الفارسية المطلقة على جميع مفاصل الحياة هناك. وفي الحقيقة إن الأمر غير ذلك تماما، إذ إيران لا تعيش مأزقا اقتصاديا كما نعتقد نحن وليس صحيحا أن نقول إن الشعب الإيراني يعيش حالة فقر مدمرة. لأننا في هذه حالة كأننا نحسّن من صورة إيران ونرفعها إلى مستوى الدول المحترمة التي تحترم حقوق مواطنيها وتحسب لهم ألف حساب وتقاتل وتسالم من أجلهم.

في اعتقاد أغلبية الساسة الإيرانيين إن الشعب الإيراني هو الشعب الفارسي فقط ولا غير وهذه حقيقة يجب ألا نوهم أنفسنا بغيرها، وهذا الشعب لا يعرف عن الفقر إلا اسمه. فهو يعيش في مناطق غنية وعامرة ومزدهرة مثل شمال طهران وقم وشيراز وأصفهان وغيرها ولا يعاني من بطالة ولا يعمل في أشغال تتطلب جهدا بدنيا وليس محروما من نعم الحياة كما نعتقد. بعبارة أدق هو شعب مدلل ومرفه والكثير ممن سنحت لهم الفرصة أن يلتقوا بأحد افراد هذا الشعب يعرفون جيدا أن الفارسي ونتيجة ما هو عليه يعتبر نفسه أذكى وأحق وأثقف وأفضل. لهذا حقق ما لم يستطع الأخرون تحقيقه، أي يعتبر الفارسي نفسه أيضا ينتمي إلى شعب الله المختار وهو من صفوة السلالات البشرية جينياً.

أما بقية الشعوب التي أنهكها الفقر والجوع والبطالة وتدهورت حياتها بعد الحصار وقبله، لا يبدو عليها في الوقت الراهن أنها قادرة على أن تصدع رأس النظام لأسباب عدة لا مجال للتطرق إليها هنا، لهذا لا يعير لها النظام الفارسي اهتماما يلحظ.  ولو رجعنا إلى الوراء قليلا وكيف انتهت الحرب الإيرانية العراقية سنجد أن خميني الذي كان يعتبر التطرق إلى موضوع الصلح ضربا من الكفر، لأن القتال لا يدور في المناطق الفارسية. كما إن الأغلبية الساحقة من الجنود في الجبهات كانوا من المقهورين والمغلوبين على أمرهم الذين زج بهم النظام بالترغيب والترهيب في أتون تلك الحرب الطاحنة التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل. ولكن عندما وصلت صواريخ العراق إلى طهران ومشهد وغيرها من المعاقل الفارسية تجرع خميني كأس السم لأن الأمر أصبح يتعلق بدم الفرس الأزرق.

كيف لنا أنْ نصدق إن إيران بحاجة ماسة إلى أموالها المجمدة التي حررتها أمريكا وهي التي أمدت النظام في سوريا وبشهادة الكثيرين حتى الآن بخمسة عشر مليار دولار أمريكي أي ما يقارب ثلاثة أضعاف الأموال المجمدة التي أطلقتها أمريكا مؤخرا، غير الدعم بالأسلحة والمعدات والتقنيات العسكرية اللازمة. وكيف لنا أن نصدق أن إيران يهمها فك الحصار ونظامها كان منذ نشأته يتحدث دائما عن نِعَم المصائب التي يجلبها لشعبه مثل نعمة الحرب التي شنها على العراق من أجل تصدير الثورة ويتحدث اليوم عن نعمة الحصار التي خففت عبء الانتقادات الموجهة إليه من هذا وذاك باعتبار أن إيران تعيش تحت الحصار وهي لا تستطيع النهوض بالمستوى المعيشي لمواطنيها.

الحقيقة إن إيران لا تعاني مثلما نعتقد، والحصار المزعوم استطاعت الالتفاف عليه وبتواطؤ أمريكي وغربي وعن طريق البنوك العراقية وبعض البنوك في الدول المجاورة الأخرى. وما فضيحة البنوك والشريكات الوهمية التي استطاعت تبييض 87 مليار يورو مملوكة لإيران كان يهربها شخص إيراني حاصل على الجنسية التركية بعد زواجه من إحدى الفنانات التركيات هناك خلال فترة وجيزة والتي استقال ثلاثة وزراء من حكومة رجب طيب أردوغان بسبب تورط أبنائهم فيها في تركيا هذه الأيام إلا حلقة من حلقات الالتفاف الإيراني على الحصار وتبعاته. وهناك الكثير من الأموال القذرة وغير الشرعية التي تخرج تحت مسميات وهمية وهي أغلبها للحرس الثوري الإيراني وتوضع في بنوك البلاد المجاورة. بلد كبير وواسع يتعرض لحصار خانق كيف يستطيع توفير كل هذه الأموال الضخمة إذا لم يصدر النفط وبكميات هائلة يوميا؟

في النهاية وكي لا نضع أنفسنا في خانة المغفلين والمخدوعين يجب علينا الانتباه إلى بعض النقاط الجوهرية.

أولا: لا يوجد حصار حقيقي على إيران والعملية مجرد حبر على ورق استطاعت إيران وتحت تصوير الأقمار الاصطناعية الأمريكية والاوربية الالتفاف على هذا الحصار عبر نقل نفطها في ناقلات ترفع أعلام بلاد أخرى أغلبها أفريقية، كما نقلت الكثير من الأموال والذهب من وإلى الدول المجاورة دون أن يمنعها أحد.

ثانيا: لا ترضخ إيران لأي ضغط غربي تحت حرب كان أو حصار طالما العنصر الفارسي ذو الدم الأزرق لا يعاني مثلما تعاني الشعوب الأخرى كالعرب والأكراد والأذربيجانيين والبلوش والتركمان.

 ثالثا: النظام في إيران فقد شرعيته الأخلاقية داخليا وخارجيا من الخطأ إلباسه لباس الأنظمة المتحضرة التي تعمل المستحيل من أجل أن تخفف الضغط عن كاهل مواطنيها، فلا تصدقوا أنه يتنازل حفاظا على حياة مواطنيه أو تخفيفا لمعاناتهم إذا اضطر يوما من الأيام.

موسى مهدي الفاخر 

 نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق