أوكرانيا وإيران اختلاطات الطاقة والجيوبولتيك بين أمريكا وروسيا

نشرت شبكة النبأ المعلوماتية في بداية شهر شباط 2014 تقريراً صادراً في الولايات المتحدة يشير إلى أن السنوات القادمة ربما ستحمل معها الكثير من المتغيرات والمفاجآت الجديدة فيما يخص مستقبل الطاقة والنفط في الاسواق العالمية، والتي ستكون لها الكثير من الانعكاسات الاقتصادية والأمنية للكثير من دول العالم وخصوصا الدول المنتجة للنفط

التي ستواجه الكثير من المشاكل الاقتصادية في الفترة القادمة بسبب تنامي إنتاج النفط والغاز الصخري في العديد من دول العالم التي سيتحول بعضها الى منافس مهم في الاسواق العالمية، وهو ما سيؤثر بشكل سلبي على توازن السوق وأسعار النفط العالمية كما يقول بعض الخبراء، الذين أكدوا على أن تنامي إنتاج النفط غير التقليدي و الاستكشافات الجديدة لحقول الغاز في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأخرى، سيسهم بتغيير الكثير من النتائج الحالية وربما سيكون سبب مباشر بنشوب الكثير من المشاكل والازمات السياسية والاقتصادية حتى بين الشركاء، وفي هذا الشأن فقد كشف التقرير عن أن ازدهار الطاقة في الولايات المتحدة يحمل في طياته آثاراً بعيدة المدى على المسرح العالمي.

ومن المعروف أن التغييرات في الصناعة النفطية التي بدأت تتصاعد مع تطوير تقنية (الشايل) أوما يسمى (بالنفط الصخري) فتحت الآفاق واسعة أمام خلق حقول معرفية جديدة وبالتالي جرّت ورائها لولباً من الصناعات البحثية وتطوير تكنولوجيا النفط بالإضافة إلى فرص العمل، هذا فضلاً عن خفض الحاجة إلى واردات النفط.

سيكون لهذا تداعيات أكيدة على سوق النفط العالمية حيث يمكن أن تكون هذه التحولات سلبية بالنسبة إلى البلدان التي تبيع النفط إلى الولايات المتحدة وعلى رأسها الدول الأفريقية في نيجيريا وأنغولا وبعض الدول الأفريقية المنتجة للنفط التي بدأت بتركيز صادراتها نحو آسيا وبيع النفط إلى الصين بسبب تراجع الطلب على الخام في الولايات المتحدة. أما الشرق الأوسط، فإن ارتفاع استهلاك النفط يشكل ضغطاً على صادرات النفط ويزيد من أسعارها في السوق العالمية وهو مايزال منظوراً في المدى المتوسط أما إذا انخفضت هذه الأسعار جزئيا بسبب الطفرة النفطية الأمريكية فقد تتعرض تلك الحكومات في الدول المنتجة للنفط إلى ضغوط شديدة، وأكد التقرير أنه ما زال على الولايات المتحدة ألا تنسحب من دورها العالمي، حيث يوجد الكثير من التوقعات أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تفك ارتباطها عسكريا بالمناطق المتقلبة المنتجة للنفط، ما يمهد الطريق لدور أمني أكبر وزيادة تقاسم الأعباء من قبل الاقتصادات الناشئة المتعطشة للطاقة.” ولكن، بما أن النفط يعتبر سلعة عالمية، فإن التعطيل في أي مكان سيؤثر على الأسعار في الولايات المتحدة.

ويشير التقرير إلى أن ذلك قد يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار في بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة، ما قد يسبب بأن تعزز بعض الدول الشرق أوسطية والأفريقية علاقاتها مع كل من روسيا والصين، وبالتالي سيؤثر ذلك على تمسك الروس والصينيين بسياساتهم العالمية الجديدة التي أخذت تتمدد في الأقاليم الأبعد من مجالاتها الحيوية التقليدية وهذا ينذر بإجراءات أكثر تصلباً في ملفات جيوبولتيكية بالغة الأهمية للولايات المتحدة وحلفائها، والملف الأوضح هنا كما يبدو للوهلة الأولى هو ملف الأزمة الجارية في أوكرانيا وضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى أراضيها.

إذاً تحولات حاسمة على مستوى العالم قد تغير في بنية النظام الدولي الآخذة فعلاً في الانزياح لملء الفراغ المحتمل الذي قد تتركه الولايات المتحدة حيث أن التحولات في خريطة الطاقة العالمية قد يؤدي إلى تطبيق اجراءات سياسة خارجية لكثير من الدول الغير قانعة بموقعها الدولي مما قد يسبب زعزعة الاستقرار العالمي.

يتضح هذا من السلوكيات التي انتهجتها دول فاعلة في المستويين الدولي والإقليمي حاسمة مجالاتها الحيوية وتجديد تعريفها لأمنها القومي انطلاقاً من اعتبارات ذاتية تسقط في غالب الأحيان حسابات ميزان القوة التقليدي الذي كانت تشغل فيه واشنطن موقع الشرطي العالمي ومن المتوقع أن تصبح الصين أيضاً أكثر حزماً بسبب ارتفاع وارداتها النفطية، وحماية صفقات جديدة للطاقة في دول الشرق الأوسط أو أفريقيا.

روسيا وتوظيفات الملف الإيراني:

يذكر جيمس إيف. جيفري وهو زميل زائر متميز في زمالة “فيليب سولوندز” في مقال منشور له في معهد واشنطن أن أسوأ السيناريوهات ممكن أن يقع عندما يهدد الروس الولايات المحتدة وحلفائها في أكثر الملفات سخونة في العالم كالملف السوري والملف النووي الإيراني الأكثر وضوحاً، وقد تسبب نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف بإثارة الكثير من التعليقات خلال شهر آذار الماضي عندما هدَّد باتخاذ إجراءات انتقامية محتملة بشأن الملف النووي الإيراني إذا ما ضغطت واشنطن على موسكو بشأن شبه جزيرة القرم. ورغم أن ذلك ربما لا يكون أكثر من تكتيك تخويفي، إلا جفري اعتبره موقف يستحق الدراسة باعتباره السيناريو الأكثر سوءاً. وعند أخذ جميع العوامل في الحسبان، تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها التكيف مع مثل هذا التطور في ضوء الترابط العسكري والدبلوماسي المواتي لقواتها في الخليج العربي، لكن القيام بذلك سوف يتطلب عزماً ونهجاً أكثر واقعية في مواجهة فلاديمير بوتين الذي لا يمكن التوقع بتصرفاته بحسب جيفري.

المسألة تصبح أكثر جدية عندما يتكرر التهديد الروسي وبالتالي ستثار أوتوماتيكياً أسئلة من قبيل ماذا يمكن لروسيا أن تفعله فعلاً وهل يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الرد على ذلك التهديد وبالأساس هل ستفكر موسكو بجدية في تنفيذ التهديد؟ وربما الأهم ما مقدار الضرر الذي يمكن أن تحدثه روسيا فعلياً في المساعي الدولية لكبح جماح سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية، وبأي ثمن؟

يجيب جيفري ثانية من وجهة نظر أمريكية بحتة معتبراً أنه إذا كانت موسكو سوف تنفذ تهديدها بالفعل وأن أمامها فرصة للنجاح، فسيتوجب على واشنطن أن توازن التكاليف والمزايا الاستراتيجية بشأن تبني موقف قوي حيال قضية أوكرانيا مقابل الملف النووي الإيراني.

إن وجهة نظر الغالبية حتى الآن هي أن روسيا سوف تخسر أكثر مما ستكسبه من خلال اللعب بالورقة الإيرانية، لكن هذا رهان غير مؤكد. لقد ألقت الأزمة الأوكرانية بظلالها على رغبة بوتين في عرقلة السياسة الخارجية الأمريكية، وعلى حبه للمخاطرة و “الهجمات المفاجئة” المثيرة. كما أن ولعه بالمخاطرة يُعد ثقل موازنة هام للمصالح الروسية في التعاون مع شركائها في مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» (بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة) بشأن القضية الإيرانية: ويشمل ذلك تحديداً تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، ودعم نظام منع الانتشار النووي الذي يفضل الدول النووية الحالية، والخوف من خروج “قنبلة الإسلاميين” عن نطاق السيطرة مما ستكون له تداعيات على المناطق الإسلامية ذات الأغلبية الروسية، والالتزام تجاه مجلس الأمن الدولي الضالع بقوة في المحادثات الإيرانية. إن التأكيد على هذه المصالح أمر منطقي، لكن هذا المنطق ذاته هو الذي دفع الغرب إلى الاستنتاج بأن بوتين لن يتمسك بقوة بدعم النظام السوري أو تغيير الحدود الأوروبية بالقوة.

وبينما يواصل الروس تحدي الولايات المتحدة الأمريكية في أكثر من بقعة جغرافية تشكل مجالاً حيوياً لها فإنهم لا يرون أن استراتيجيتهم الهجومية خاطئة بما فيه التلويح بالملف النووي الإيراني التي تتحدى في الصميم النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، ونظراً لأن تركيز الروس ينصب على احتواء هذا النفوذ كهدف وجودي لها، فإنه من المستبعد أن تتصرف روسيا ضد مصالحها بشأن الأسلحة النووية الإيرانية – وهي قضية قد تمثل أهمية لبوتين، لكنها ليست وجودية. ويمكن أخذ الحسابات الاقتصادية الباردة في نظر الاعتبار أيضاً. فكلما زادت زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط – وخاصة في منطقة الخليج، التي تسيطر على 20 في المائة من صادرات النفط العالمية وتمتلك إمكانيات كبيرة لتصدير الغاز – زادت أسعار النفط والغاز من المناطق الأخرى، وهذا يصب في صالح روسيا بالتأكيد.

تقويض اتفاق النووي الإيراني وقلب معادلات اللعب

يمتلك الروس بعض الأوراق التي يمكن اللعب بها وهي الانسحاب من مجموعة (الدول الخمسة زائد واحد) وإعطاء الإيرانيين دفعة سياسية للتصلب في مواقفها مع الغرب مما سيسهل نسف أي اتفاق نووي نهائي مع إيران وعدم اتخاذ أي موقف قوي يجعل الاتفاق مقبولاً لأمريكا وحلفائها. وهذا سيحرم واشنطن من تحقيق نصر دبلوماسي، ويحافظ على التوترات، ويؤكد الخوف واسع النطاق من أن “خطة العمل المشتركة” المؤقتة ستكون الحدود القصوى للمفاوضات، مما يمنح إيران هامشاً زمنياً أكبر لتجاوز العتبة النووية. ويقيناً، أن عقوبات النفط سوف تبقى عند مستواها الحالي حتى في ظل التفويض المحدود بموجب “خطة العمل المشتركة”. بيد، إن متطلبات السوق وتآكل العقوبات والتلاعب الروسي يمكن أن تَضعف بقوة بمرور الوقت من جراء هذه القيود، التي تقوم على قبول الدول الأخرى بتدخل الولايات المتحدة في شؤون شركاتها الخاصة.

سيتابع الروس اللعب بغرض الفوز عبر اتباع استراتيجية اختلاق الأزمات كتقويض التوصل إلى اتفاق نووي ثنائي مع إيران. ومن شأن ذلك أن يلبي مخاوف روسيا بشأن الانتشار النووي، ويعزز موقفها الدبلوماسي، – من خلال توفير بديل لمساعي مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» – ويقوض نظام العقوبات الأحادي الجانب الذي تتبعه واشنطن.

معادلة دقيقة إذاً ستمكن الروس الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، وفي هذا السياق يقول جيمس جيفري أنه قد يتم إعادة إحياء بيع نظم الدفاع الجوي المتقدمة لإيران (التي لا تحظرها عقوبات الأمم المتحدة) والبناء على اتفاق محطة بوشهر النووية من خلال منح طهران المزيد من التقنيات النووية ثنائية الاستخدام. والأمر الأكثر خطورة أنه يستطيع اتخاذ خطوات عسكرية مثل إقامة قاعدة بحرية في إيران، والإعلان عن معارضة روسيا لأي تحرك عسكري ضد إيران ونشر “فنيين” في المنشآت النووية الإيرانية عالية القيمة، أو حتى تمركز قوات روسية رمزية في مواقع استراتيجية.

يعود جفري للتساؤل هل هذا محض خيال؟ ليأتي جوابه سريعاً: للأسف لا – لقد أظهرت موسكو سلوكاً مماثلاً ينطوي على مخاطر جمة في أماكن أخرى، بدءاً من إرسال قوات رمزية إلى كوسوفو عام 1999 إلى غزو جورجيا وأوكراينا. وفي مواجهة الإدانة الدولية الناجمة عن ذلك، يستطيع بوتين الاعتماد على اتفاقية نووية ثنائية مع إيران على النحو المذكور أعلاه، في تحدي صريح للعقوبات المصرفية الأمريكية باعتبارها تدخلاً غير مقبول في الشؤون الداخلية لإيران، وسوف يستغل النفور الدولي تجاه واشنطن حول عدة أمور بدءاً من إسرائيل وحتى حرب العراق.

ماذا تملك الإدارة الأمريكية أن تفعل؟

يرى جيمس جيفري في حال إقدام بوتين على مفاقمة الأمور بشأن إيران، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها هم في وضع جيد لمواجهته. وكلما كانت واشنطن أكثر إصراراً وإقناعاً في الحد من قدرات طهران [على امتلاك] أسلحة نووية ومواجهة التحديات الروسية في أوكرانيا وغيرها، كلما قلت احتمالية اضطرارها إلى التعامل مع مناورة روسية جديدة بشأن إيران أو غيرها من القضايا. لكن إن حاول الغرب تحييد أفعال بوتين الضارة من خلال تقديم تنازلات بشأن العقوبات المرتبطة بأوكرانيا، فسوف يتشجع على إساءة التصرف في الخليج.

ووفقاً لذلك، يتعين على الولايات المتحدة بناء إجماع دولي بديل لدعم تحركاتها في ظل غياب إجراءات جديدة من قبل مجلس الأمن الدولي، مستغلة حقيقة أن بوتين جعل نفسه أكثر ضعفاً من خلال انتهاكه للأعراف الدولية. ويشمل ذلك استخدام الطاقة وأدوات اقتصادية عالمية أخرى لردع روح المغامرة الروسية واحتوائها. ينبغي على واشنطن أيضاً أن تنفتح على الصين بشأن قضايا الشرق الأوسط، رغم أن تصرفات بكين المشابهة لما يحدث في شبه جزيرة القرم في المناطق الخارجية القريبة منها تبعث على القلق.

وأخيراً، يجب على واشنطن أن توضح أمرين. أولاً، أن حل المسألة النووية الإيرانية بطريقة تدعم أمن الولايات المتحدة وحلفائها يقع ضمن المصالح الأمريكية الجوهرية. ثانياً، أن الولايات المتحدة سوف تستخدم القوة العسكرية لتحقيق تلك الغاية في حالة استحالة التوصل إلى بديل دبلوماسي قائم على التعاون بسبب التدخلات الروسية.

 

مازن محمود علي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق