أبعاد زيارة الجبير المفاجئة إلى بغداد

في زيارة مفاجئة لعادل الجبير وزير الخارجية السعودي إلى بغداد في 25/2/2017 استجابة لدعوة العبادي في لقاء تلفزيوني انتظار زيارة مسؤول سعودي كبير لبغداد خصوصا بعد المكالمة الهاتفية التي تلقاها العبادي من ترامب الذي طلب منه أن يتجه العراق نحو علاقات متوازنة مع الدول المجاورة، بعيدا عن النفوذ الإيراني الراعية الأولى للإرهاب الدولي، لذلك صرح العبادي في مؤتمر صحفي قبل زيارة عادل الجبير بثلاثة أيام بأن بغداد تنأى بنفسها عن المحاور.

زيارة عادل الجبير أتت لمسؤول كبير بعد فترة طويلة جدا أي منذ عام 1990، وهذه الزيارة أتت عقب مرحلة فارقة تمر بها المنطقة التي توجت بإقامة الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في حمام العليل جنوب الموصل لتقليص نفوذ مليشيات الحشد الشعبي خصوصا التي تتبع إيران، لم تتأخر التهديدات الإيرانية التي اتهمت تصريحات ترامب عن إيران بأنها تصدر عن رجل ليس لديه خبرة سياسية.

التدخل الإيراني في العراق خصوصا زمن المالكي حولها من دولة عربية رئيسية إلى دولة هامشية ودولة تابعة لإيران، وزيارة الجبير هي تشجع أن تعود بغداد من دولة هامشية ومعبرا لإيران إلى سوريا والعالم العربي، وأن يتحول العراق إلى دولة رئيسية، والتحول من الحضن الإيراني إلى الحضن العربي بل وأن يعود لها لعب دور رئيسي خصوصا وأن عادل الجبير أكد في لقائه بالعبادي أن السعودية تتعامل مع جميع مكونات العراق دون تمييز.

الجغرافيا لا تتغير وإيران دولة جارة، لكن إيران تسعى لتغيير قواعد النظام الإقليمي، وهذا لن يحدث في تاريخ المنطقة، ورغم أن العبادي لم يعرف عنه انخراطه بسياسة المحاور المعادية للسعودية، بل اتصل بالملك سلمان وزارة رئيس الوزراء الجبوري السعودية، وناقش الجبير العلاقات الثنائية بين البلدين، لكن يدرك العبادي أنه يواجه ارتباطات أمنية واقتصادية قوية بين العديد من المليشيات وإيران التي أنشأتها إيران خصوصا وأن العبادي يواجه حزب الدعوة الذي يرأسه المالكي التابع لإيران وهو الذي يعتبر السبب الرئيسي في نشوء داعش في العراق بسبب سياساته الاقصائية واتهام سنة العراق بالإرهاب في عهده، لكن الدعم الأمريكي الذي سيعتمد عليه العبادي بعد تحول أمريكي من الجو إلى الأرض في الموصل.

خصوصا وأن أمريكا جادة في الحفاظ على مصالحها الذي تعتقد أنه عليها أن تحجم نفوذ إيران في المنطقة وعلى رأسها العراق، وخط المواجهة حسب تصريح مسؤول إيراني بين إيران وأمريكا في العراق وسوريا، وهو ضجيج ولكنه ينال من سيادة العراق وكبريائها وتاريخها ومكانتها العربية في الماضي والحاضر، يثبت ذلك أن تلك التصريحات هي ضجيج بأن زيارة حسن روحاني إلى الكويت وسلطنة عمان تمثل القلق الذي أصاب الجسم الإيراني، وهناك إحساس بالخوف وأنها توجه رسالة للداخل بأنها قادرة على مواجهة الأخطار والتحديات، والزيارة هي تقديم تنازلات وتقليص للنفوذ، وإيران معروفة بسياساتها البراغماتية أي الانحناء أمام عاصفة ترامب.

تأتي زيارة الجبير ضمن الحراك الجاري في المنطقة وخاصة القضايا الأمنية والإرهاب تحتم على السعودية والعراق أن يزيلا التوتر بينهما ويتفرغا لمواجهة الإرهاب الذي يضرب المنطقة خصوصا وأن الزيارة أتت بعد قيام بغداد بضربة لداعش في سوريا، وسبق أن سلمت السعودية نصف مليار دولار للأمم المتحدة لدعم اللاجئين في العراق.

تدرك السعودية أن العالم العربي أصبح في وضعية دفاعية، وأصبح هدفا للهجوم من أكثر من اتجاه، وكان أخطر أنواع الهجوم التقسيم الداخلي الذي ضرب العراق وسوريا وليبيا واليمن حتى أصبح مشهدا معقدا ومتداخلا ومتحركا، لكن هناك تحول استراتيجي بدأ بعاصفة الحزم في اليمن قامت بها السعودية عبر تشكيل تحالفا عربيا وإسلاميا بدعم دولي من أجل الوصول إلى تجسيد حقيقي لفكرة النظام الإقليمي الذي يدافع عن وحداته لأن قوته من قوتها، وتجسيد لفكرة العروبة باعتبارها الهوية المؤسسة للدولة الوطنية وهي هوية جامعة شاملة تعلو على الانتماءات الأخرى الطائفية والدينية والعرقية والعشائرية بدلا من التعصب المصاب بالاستعلاء والتطرف المتأسلم والمتلحف برداء الدين الذي تحول إلى واقعا في منطقتنا العربية رغم أنه واقع لفظته الأغلبية الكاسحة من الشعوب العربية بعدما ذاقت وعانت من مآسيه الكارثية.

المنطقة العربية لم تعاني فقط الإرهاب الذي استغل انفراط عقد السلطة المركزية في عدد من الدول العربية في سوريا واليمن وليبيا، بينما يعاني العراق من المحاصصة وكذلك لبنان، فيما حافظ الجيش في مصر وتونس على تماسك السلطة المركزية الذي يتهم بالاستبداد رغم ذلك فهو أفضل من الفوضى والإرهاب يمكن تغييره عبر الإصلاح.

وكما قال الأمين العام للمنظمة العربية أحمد أبو الغيط في مقال له في صحيفة الشرق الأوسط في 25/2/2017 بأن النظام العربي يفتقد إلى العمل الجماعي وأن واحدا من أوجه القصور الرئيسية في المنظومة العربية هو غياب استراتيجية دفاعية موحدة وهي منظمة أسست قبل الأمم المتحدة عام 1951.

هذه الزيارة تدخل في سياق بث الحيوية في النظام العربي ليتمكن من مجابهة التحديات المحدقة بالمنطقة العربية التي تضم مساحة 13 مليون كيلو متر مربع من الخليج حتى المحيط الأطلسي، وهذه الزيارة تبحث عن القاسم المشترك الذي تتقاطع عنده الأولويات بين البلدين وكذلك بين الدول العربية التي ليست هي متطابقة والتي يجب ألا تكون متنافرة التي كانت السبب في فشل التوصل أو تحقيق الدفاع المشترك الذي وقع في فترة مبكرة بين الدول العربية في عام 1951، حيث لا يستطيع العالم العربي تحقيق قفزة كبرى نحو المستقبل إلا في إطار جماعي التي هي حاصل إرادة عليا فوق الدول وحاصل إرادة شعبية جماعية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق